الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الدعوى في واحد من وجهين

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت الدار في يد رجل ، فادعى رجل أن أباه مات وتركها ميراثا عند القاضي ، وجحد ذاك الذي هي في يده ، وقال المدعي : مات والدي منذ سنة وتركها ميراثا ، فسأله القاضي شهودا ، فأتاه بشهود فشهدوا أنه اشتراها من الذي هي في يديه منذ سنتين ، ولم يذكروا أباه ، فلا تقبل شهادتهم له وذلك أنه يكذب شهوده ، [ ص: 172 ] ويدعي خلاف ما شهدوا له . وهذا مذهب أبي ثور وأصحاب الرأي ، وكذلك لو ادعاها هبة أو صدقة لم تقبل بينته إذا شهدوا له بالشراء في قولهم جميعا .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : لو أن عبدا في يد رجل ، فادعاه رجل أنه تصدق عليه بالعبد منذ سنة وقبضه منه ، والذي في يده العبد يجحد ، فسأله القاضي بينة ، فجاء ببينة فشهدت أنه اشترى هذا العبد من الذي هو في يده منذ سنتين لم تقبل شهادتهما ، وكذلك لو ادعى أول مرة الشراء ، ثم جاء بالشهود على الصدقة ، فإن ذلك لا يقبل منه . وهكذا قال أصحاب الرأي . فإن ادعى أنه تصدق به عليه وجحده الذي هو في يديه فأقام البينة أنه اشتراه منه منذ شهر ، وقال : جحدني الصدقة فاشتريته منه ، قبلت البينة ، وقضيت له به ، وذلك أن هذا يجوز أن يكون كما قال . وهذا قول أبي ثور ، وأصحاب الرأي ، ولو ادعى الشراء منه منذ سنة ، وقال : جحدني ، فسألته أن يتصدق به علي ففعل ، فأقام عليه البينة بالصدقة منذ شهرين . قبلت البينة عليه وقضيت له بالعبد ، وكذلك لو قال إن أباه مات منذ سنة وتركه ميراثا له لا وارث له غيره ، فجحدني ذلك فاشتريته منه منذ شهر ، وأقام على الشراء بينة ، قبلت ذلك منه ، وقضيت له بالعبد . وهذا كله قول أبي ثور ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              ولو ادعى ميراثا من أبيه منذ سنة فسأله القاضي البينة على ذلك ، فقام من عند القاضي على ذلك ، ثم جاء ببينة فشهد على أنه اشتراه منه بعدما قام من عند القاضي وذلك أنه جحده ، فإني أقبل البينة على ذلك وأقضي له بالعبد . [ ص: 173 ]

                                                                                                                                                                              وهذا مذهب أبي ثور ، وأصحاب الرأي ، وقالوا جميعا : إذا ادعى رجل أمة في يد رجل وقال : اشتريتها بعبدي هذا منذ سنة ، وجحد البائع فسأله القاضي البينة فجاء بشاهدين فشهدا أنه منذ قام من عند القاضي اشتراه بألف درهم ، وقال : جحدني البيع الأول ولم يكن له بينة ، فإنه تقبل بينته ويقضى له بالأمة .

                                                                                                                                                                              وقالوا جميعا : إذا ادعى رجل عبدا في يدي رجل ، أو دارا ، أو شيئا من الحيوان والعروض أنه له ، وجحده الذي هو في يديه ، فسأله القاضي البينة فجاء ببينة أنه اشتراه من الذي هو في يده بثمن مسمى ونقده الثمن فثبتت بينته على ذلك وقضى له بالشيء ، لأنه بينته لم تخالف دعواه ، وكذلك لو شهدوا على هبة أو صدقة كان كذلك ، وكذلك لو جاء ببينة فشهد أن أباه مات وتركه ميراثا لا وارث له غيره قضيت بها له ؛ لأن بينته لم تشهد على خلاف ما ادعى ، وكذلك لو كان معه وارثا غيره ، فإنه يقضي له (بحقه) من ذلك .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية