الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              جماع أبواب من يجب قبول شهادته ومن لا يجب قبول شهادته

                                                                                                                                                                              قال الله - جل ذكره - : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما ) ، وقال - جل ثناؤه - : ( وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ) .

                                                                                                                                                                              أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن شهادة الرجل المسلم البالغ العاقل الحر الناطق ، المعروف النسب ، البصير ، الذي ليس بوالد المشهود له ، ولا ولد ، ولا أخ ، ولا زوج ، ولا أجير ، ولا صديق ، ولا خصم ، ولا عدو ، ولا وكيل ، ولا شريك ، ولا جار بشهادته إلى نفسه ، وبعد أن لا يكون صاحب بدعة ، ولا شاعر يعرف بأذى الناس ، ولا شارب الخمر ، ولا لاعب الشطرنج يشتغل به عن الصلاة حتى يخرج وقتها ، ولا قاذف للمسلمين ، ولم يظهر منه ذنب هو مقيم عليه صغير ولا كبير ، وهو ممن يؤدي الفرائض ، ويجتنب المحارم : جائزة يجب على الحاكم قبولها ، إذا كانا رجلين ، أو رجلا وامرأتين ، إذا كان ما شهدا عليه مالا معلوما يجب أداؤه وادعاه المدعي .

                                                                                                                                                                              ذكر اختلافهم في شهادة الوالد لولده والولد لوالده

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الشاهد إذا كان بالصفة التي ذكرناها غير أنه والد للمشهود له أو ولد ، فأبطلت طائفة شهادة بعضهم لبعض ، وممن أبطل [ ص: 259 ] ذلك وقال لا يجوز : إبراهيم النخعي، والحسن البصري ، وعامر الشعبي ، وشريح، ومالك بن أنس ، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبو عبيد ، والنعمان .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة بظاهر قوله : ( ممن ترضون من الشهداء ) قالت : فقبول شهادة كل مسلم جائزة على ظاهر الآية إذا كان رضا ، وغير جائز أن يكون الشاهد في حالة واحدة ثقة وغير ثقة ، مقبول الشهادة مردودها . قالت : والقائل بخلاف هذا القول قائل بخلاف ظاهر الآية إلى غير حجة يفزع إليها يستثني برأيه من ظاهر الكتاب بعد إعطائه من نفسه ، أن الخروج عن ظاهر الكتاب وعمومه غير جائز إلا بحجة من سنة أو إجماع ، هذا قول جماعة من أهل النظر ممن يوجب القول بالظاهر ، ويرى أن الخروج عن ظاهر الكتاب غير جائز إلى آراء الرجال بغير حجة يفزع إليها قائلها .

                                                                                                                                                                              6697 - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال : حدثنا أبو عبيد، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن أبي الزناد ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن عمر بن الخطاب أنه قال : تجوز شهادة الوالد لولده ، والولد لوالده . [ ص: 260 ]

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال : تجوز شهادة الوالد لولده ، والولد لوالده وبه قال إسحاق بن راهويه ، وأبو ثور، والمزني .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن شريح أنه أجاز شهادة زوج وأب في الحي . فقال له رجل : إن هذا زوج وأب . فقال : أتجرح شهادتهما بشيء ؟ شهادة كل مسلم جائزة . وأجاز إياس بن معاوية شهادة رجل لابنه .

                                                                                                                                                                              وسئل الزهري عن شهادة الوالد لولده فقال : قد كان فيما مضى من السنة وسلف المسلمين يتأولون في ذلك قول الله - جل ذكره : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ) فلم يكن (في) سلف المسلمين والد لولده ، ولا ولد لوالده ، ولا أخ لأخيه ، ولا المرأة لزوجها ، ولا الزوج لامرأته ، إذا رضي هديهم قال : ثم دخل الناس بعد ذلك فرضيت شهادتهم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وبهذا نقول اتباعا لظاهر الكتاب ، ولإيجاب الله [ ص: 261 ] القيام بحقه في عباده فيما فرض لبعضهم على بعض ، ولقوله : ( وأقيموا الشهادة لله ) فكل مسلم قبله شهادته فعليه القيام بها ، وعلى الإمام قبولها على ظاهر كتاب الله إلا أن تدل حجة على الوقف عن قبول شهادة من الشهادات فيوقف عن قبول ما تقوم الحجة عليه من ذلك .

                                                                                                                                                                              وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "البينة على المدعي " ، فالبينة العادلة يجب قبولها والحكم بها ، ولا يجوز لمسلم أن يظن بأخيه المسلم ظنا لا دلالة معه ؛ لأن ذلك منهي عنه ، ولا يخالف أحد ما أمر به الرسول ، ثم يجعل ما ارتكب مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم أصلا تبنى عليه المسائل . ثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : "إياكم والظن فإنه أكذب الحديث " .

                                                                                                                                                                              6698 - حدثنا علي بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان، عن ابن ذكوان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : لا تجوز شهادة الابن لأبيه ، وتجوز شهادة الأب لابنه ، هكذا قال الشعبي الرواية الثابتة عنه .

                                                                                                                                                                              وفيه قول رابع : وهو إبطال شهادة الوالد لولده ، وقبول شهادة الولد لوالده ، هذا قول الحسن البصري الرواية الثابتة عنه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولا تجوز شهادة الجد لولد ولده ، ولا شهادة [ ص: 262 ] الرجل لجده في قول الشافعي والكوفي وابن القاسم صاحب مالك وشهادتهم في قول الآخرين جائزة .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية