الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الدعوى في الدار يدعيها ثلاثة نفر أو اثنان وهي في أيديهم أو يد غيرهم واختلاف الدعوى في ذلك

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت الدار في يد ثلاثة أنفس ، فادعى أحدهم أن له جميعها ، وادعى آخر أن له ثلثيها وادعى الثالث أن له نصفها فإن الدار في أيديهم أثلاثا ويحلف كل واحد منهما صاحبه على ما يدعي قبلهما [ ص: 147 ] فإذا حلف كانت الدار بينهم أثلاثا على ما بيد كل واحد منهم هذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : على كل واحد منهم البينة ، فإن لم تكن بينة فعلى كل واحد منهم اليمين على دعوى صاحبه ، فإن حلفوا جميعا ، فالدار بينهم أثلاثا لكل واحد منهم ما في يديه ، فإن قامت بينة لهم جميعا على ما ادعوا ، كان لصاحب النصف الثمن ، وكان لصاحب الثلثين الربع ، ولصاحب الجميع ما بقي وهو خمسة عشر سهما ؛ لأن صاحب النصف ادعى فضل سدس على ما في يديه ، نصف ذلك السدس في يدي صاحب الجميع ، فيأخذ ذلك منه ، ونصف ذلك السدس في يد صاحب الثلثين ، وقد أقام عليه صاحب الجميع البينة على كله ، فلصاحب النصف من ذلك النصف السدس نصفه وذلك ربع السدس ، وصاحب الثلثين قد ادعى فضل ثلث على ما في يدي صاحب الجميع من ذلك سدس تام فيأخذ منه كله ، وفي يدي الذي ادعى النصف سدس فيأخذ نصفه ، وما بقي فلصاحب الجميع .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : والذي نقول به أنا نحكم لكل واحد بما زادته بينته على ما في يديه ، فلما كان صاحب الجميع في يده الثلث فشهدت له بينته بالكل حكمنا له على الآخرين بجميع ما في أيديهما وهو الثلثان ، فلما شهدت شهود صاحب النصف له بالنصف ، وكان في يديه الثلث كانت بينته قد زادته سدسا على ما كان في يده ، فحكمنا له على صاحب الجميع بسدس الدار ، وكذلك صاحب الثلثين لما شهدت له شهوده بزيادة ثلث على ما كان في يده وهو ثلث الدار حكمنا له بالثلث على صاحب [ ص: 148 ] الجميع ، فصار في يد صاحب الثلثين ثلث ، وصار في يد صاحب الجميع النصف ، فكانت الدار بينهم على ذلك .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : ولو كانت الدار في يد غيرهم ، والدعوى على ما سميت لك ، فإن ذلك في قول النعمان : لصاحب الجميع الثلث والسدس [بين ] صاحب الجميع وصاحب الثلثين نصفين والنصف الباقي بينهم أثلاثا .

                                                                                                                                                                              وفي قول يعقوب ومحمد : الدار بينهم على ثلاثة عشر سهما لصاحب الجميع ستة ، ولصاحب الثلثين أربعة ، ولصاحب النصف ثلاثة .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : القول في هذا واحد من قولين : أحدهما : أنهم لما ثبتوا على الدار فكانت الدار في أيديهم جميعا ، فالحكم فيها كما قلنا إذا كانت الدار في أيديهم في أول المسألة .

                                                                                                                                                                              والقول الثاني : أن يضرب صاحب الجميع فيه بستة ، ويضرب صاحب الثلثين بأربعة ، ويضرب صاحب النصف بثلاثة بمنزلة غرماء ، سواء [لهم ] على رجل حق وقد ترك ستة آلاف درهم ، فأقام أحدهم البينة على ستة آلاف ، وأقام آخر بأربعة آلاف ، وأقام آخر بثلاثة آلاف انقسموا الستة على قدر ما ثبتوا فيضرب صاحب الستة بستة ، وصاحب الأربعة آلاف بأربعة ، وصاحب الثلاثة آلاف بثلاثة فيقتسمون المال على ثلاثة عشر سهما .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت الدار في يد رجلين ، فادعى أحدهما النصف وادعى الآخر الكل ، فإن المدعي صاحب الكل ، فيقال لصاحب النصف : [ ص: 149 ] ما تقول فيما يدعي ، فإن أقر له به (دفع) ما في يده ، وإن أنكر حلف وكان النصف في يده كما كان . وهذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              قال النعمان : صاحب النصف مصدق ؛ لأن النصف في يديه ولم يدع فضلا ، والذي ادعى الجميع مدع عليه البينة ، فإن قامت لهما البينة ، فإنه يقضى بالدار لصاحب الجميع . وهذا قول النعمان ، ويعقوب ، ومحمد .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإن كانت الدار في يد غيرهما والدعوى على ما وصفت ، وقامت لكل واحد منهما بينة ، فالقول في ذلك مثل القول في المسألة قبلها . هذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان : في هذا لصاحب الجميع ثلاثة أرباعها ، ولصاحب النصف ربعها ، من قبل أن النصف لصاحب الجميع لا حق للآخر فيه ، والنصف الباقي كل واحد منهما قد أقام عليه البينة فهو بينهما نصفان .

                                                                                                                                                                              وقال يعقوب ، ومحمد : الدار بينهم على ثلاثة أسهم لصاحب الجميع الثلثان ، ولصاحب النصف الثلث يضرب كل واحد منهما في الدار بما شهدت به الشهود .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت الدار في يد رجل منها منزل ، وفي يد آخر منها منزل آخر ، فادعى أحدهما نصفها فإن كانت الدار في أيديهما مشاعا وإنما [ . . . . . ] في المنزلين ، استحلف صاحب النصف لصاحب الجميع ، [ ص: 150 ] فإن حلف كانت الدار نصفها لصاحب النصف ، والباقي لصاحب الجميع وإن كان كل واحد منهما يزعم أن المنزل الذي في يده له فصاحب الجميع يدعي بما في يدي صاحب النصف ، فإن أقام عليه البينة وإلا حلف له . هذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : لصاحب الجميع المنزل الذي في يديه وله من الآخر نصفه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإن كانت الدار في أيديهما لا يعرف شيء منها في يد واحد منهما دون صاحبه فهي بأيديهما نصفين . في قول أبي ثور ، والنعمان، ويعقوب ، ومحمد ، وبه نقول .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : والثياب والعروض والحيوان والعبد والأمة في ذلك واحد عندهم جميعا .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور ، وأصحاب الرأي : وإذا كانت سفلها في يد رجل ، وعلوها في يد رجل آخر ، وطرف العلو في الساحة ، فادعى كل واحد منهما أن الدار له ، أحلف كل واحد منهما على ما ادعى وكانت الدار في أيديهما كما كانت .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت الدار في يد ثلاثة رهط ، فادعى واحد النصف ، وادعى آخر الثلث ، وادعى آخر السدس ، وجحد بعضهم دعوى بعض ، فإن الدار بينهم على ما يدعون فهو في أيديهم على ما يدعون بيد صاحب النصف النصف ؛ لأن أحدا منهم لا يدعي شيئا [ ص: 151 ] مما في يديه ، فإن كانت الدار في أيديهم أثلاثا ، فقال صاحب الثلث : أنا في يدي حقي ، وقال صاحب السدس : في يدي فضل سدس لا أدري لمن هو ؟ استحلف لصاحب النصف ، فإن حلف قيل لصاحب النصف تثبت على حقك . وهذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : في يد كل واحد منهم الثلث ، والثلث الذي يقع في يد صاحب السدس نصفه له ونصفه موقوف في يديه ، وإذا قامت البينة لصاحب النصف أخذ من يد كل واحد من صاحبه نصف السدس .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية