الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر المسلم يعتق العبد النصراني ، والنصراني يعتق العبد المسلم

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ثابت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الولاء لمن أعتق " فعلى ظاهر هذا الحديث إذا أعتق المسلم عبدا له نصرانيا فالولاء له ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "الولاء لمن أعتق " فإن مات المعتق النصراني لم يكن للمعتق من ميراثه شيء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم " . فإن أسلم المعتق ثم مات ورثه المولى المعتق . وهذا قول الشافعي ، وبه قال أهل العراق . [ ص: 532 ]

                                                                                                                                                                              وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أن مولى له نصرانيا مات فأمر عمر بماله فأدخل بيت المال وكره أن يرثه ، وبهذا قال الأوزاعي .

                                                                                                                                                                              وإذا اشترى النصراني عبدا مسلما أو كان له عبد نصراني فأسلم بيع عليه ، فإن أعتقه فالعتق جائز وولاؤه له ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "الولاء لمن أعتق " فإن مات المعتق ومولاه على دينه لم يرثه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يرث الكافر المسلم " وميراثه لجماعة المسلمين إلا أن يكون لمولاه عصبة مسلمون . فإن أقرب الناس من عصبة مولاه يرثه ، ويكون المولى ما دام على النصرانية في معنى من قد مات ، وإن أسلم المولى المعتق ثم مات المولى المعتق ورثه بالولاء إلا أن يسلم .

                                                                                                                                                                              وكان مالك بن أنس يفرق بين المسلم يعتق العبد النصراني وبين النصراني يعتق العبد المسلم ، كان يقول : إذا أعتق المسلم النصراني فإنه يرثه مولاه المسلم ، لأنه قد كان مولاه ، ولأنه قد كان يصلح له بملكه ، وإنما منع النصراني أن يرث المسلم إذا أعتقه ، لأنه لا ينبغي للنصراني أن يملك مسلما فحين أسلم كان ينبغي أن يباع عليه ، فإن أعتقه جاز ما صنع ولم يملك شيئا من ولائه ، ولأن المسلم ينبغي له أن يملك النصراني ، فحين أعتقه فهو مولاه ، فإذا أسلم ورثه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولو أن رجلا مسلما أعتق عبدا له مسلما ، ثم ارتد [ ص: 533 ] المعتق عن الإسلام ولحق بدار الحرب ، فسبي فاشتراه رجل مسلم فأعتقه ، كان شراؤه باطلا; لأن الحر المسلم لا يرجع رقيقا أبدا ، وعلى الإمام قتله إن ثبت على الارتداد ، فإن تاب ورجع إلى الإسلام فهو مسلم وولاؤه للمعتق الأول ، والجواب في المسلم يعتق أمة مسلمة ثم ترتد وتلحق بدار الحرب ، أو تسبى وتشترى وتعتق كالجواب في العبد لا فرق بينهما ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من بدل دينه فاقتلوه " ودخل في عموم هذا الحديث الرجل والمرأة ، وفرق أصحاب الرأي بين العبد والأمة ، فقالوا في العبد كما قلنا ، وقالوا في الأمة : إنها أمة له وانتقض الولاء الأول للرق الذي حدث فيها .

                                                                                                                                                                              وفي قول أصحاب الرأي في المرأة ترتد عن الإسلام تحبس إذا كانت في دار الإسلام ولا تقتل ، فإن لحقت بدار الحرب ثم سبيت استرقت .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فتركوا ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من بدل دينه فاقتلوه " . أوجبوا عليها حبسا لا يثبت بكتاب ولا بسنة ولا بإجماع ، ويقال : إن حديث ابن عباس لا يصح; لأن الثوري دلسه . قال عبد الرحمن بن مهدي : قلت لسفيان : سمعت قول ابن عباس في [ ص: 534 ] المرتدة؟ قال : أما من ثقة فلا ، فنفى أن يكون ذلك من ثقة ، وهو الحديث الذي رواه عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس تحبس ولا تقتل المرأة ترتد .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية