الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر توريث الموالي مع ذوي الأرحام الذين ليسوا بعصبة

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يموت ويترك مواليه الذين أعتقوه أو أصحاب فرائض لا يستوعبون المال ، وترك ذوي أرحامه وليسوا بعصبة .

                                                                                                                                                                              فقال أكثر أهل العلم : ما فضل من ماله عن أهل الفرائض فلمواليه الذين أعتقوه دون ذوي أرحامه الذين ليسوا بعصبة . روي معنى هذا القول عن زيد بن ثابت .

                                                                                                                                                                              6973 - ومن حديث أبي زرعة قال : حدثنا إبراهيم بن موسى قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن محمد بن سالم ، عن الشعبي ، عن خارجة بن زيد ، عن زيد بن ثابت ، أنه كان لا يورث من لا سهم له من ذوي قرابة إلا عصبة ذوي قرابة - أو موالي نعمة - ولم يكن يرد على وارث شيئا سوى الذي سمى له .

                                                                                                                                                                              وبه قال الزهري ، ومالك بن أنس ، وأهل الحجاز ، وهو قول ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، والحسن بن صالح ، وبه قال الأوزاعي ، و (أهل) [ ص: 557 ] والشافعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي ، وكذلك نقول .

                                                                                                                                                                              6974 - واحتج أحمد بحديث ابنة حمزة الذي حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب قال : أخبرنا الحسين بن الوليد ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال : تدرون ما ابنة حمزة مني؟ هي أختي لأمي ، وإنها أعتقت غلاما لها فمات ، وترك ابنته وابنة [حمزة] فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنة حمزة النصف وابنته النصف .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : روي ذلك عن عمر ، وعبد الله وهو : أنهما كانا [ ص: 558 ] لا يعطيان الولاء مع الرحم شيئا . رواه إبراهيم النخعي عنهما مرسل . وروى ذلك عن علي ، ومسروق ، والنخعي ، والشعبي : ابن جريج ، عن عبد الكريم عنهم .

                                                                                                                                                                              6975 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن فضيل الفقيمي ، عن إبراهيم قال : كان عمر وعبد الله لا يعطيان الولاء مع الرحم شيئا . قال : قلت : فعلي؟ قال : كان علي أشدهم في ذلك .

                                                                                                                                                                              6976 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : قال عبد الكريم ، عن عمر وعلي وابن مسعود ومسروق والنخعي والشعبي أن الرجل إذا مات وترك مواليه الذين أعتقوه ، ولم يدع ذا رحم إلا أما أو خالة ، دفعوا [ميراثه] إليها ، ولم يورثوا مواليه معها ، وأنهم لا يورثون مواليه مع ذي رحم . [ ص: 559 ]

                                                                                                                                                                              وقد احتج محتج للقول الأول فقال : جاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه جعل الولاء نسبا فكأنه أقام المولى مقام العصبة ، فقال : "الولاء لمن أعتق " وحرم على مواليه من الصدقة ما حرمه على نفسه ، وقال : "مولى القوم من أنفسهم " ، ونهى عن بيع الولاء وعن هبته ، ولعن من انتفى من مواليه كما لعن من انتفى من أبيه ، وجاءت الأخبار عن السلف بأنهم قالوا : الولاء لحمة كلحمة النسب .

                                                                                                                                                                              وأجمعت الأمة على أن المولى المعتق يعقل عن مولاه الجنايات التي تحملها العاقلة فأقاموه مقام العصبة . فكما جاءت الأخبار بأن حكم المولى حكم ابن العم والرجل من العشيرة ، وأجمعوا عليه في باب العقل ، ثبت بذلك أنه أحق بالمال من ذوي الأرحام الذين ليسوا بعصبة ولا هم أصحاب فرائض; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من ترك مالا فلعصبته " .

                                                                                                                                                                              وأجمع أهل العلم في جملة قولهم أن ما فضل عن أصحاب الفرائض من المال فهو للعصبة ، وأن من لا سهم له معلوم من ذوي الأرحام لا ميراث له مع العصبة ، ثم حكموا للمولى بحكم العصبة ثبت [ ص: 560 ] بذلك أن ما فضل عن أصحاب الفرائض يكون له ، لأنه عصبة . قال : وقد أجمعت الأمة أن الميت إذا ترك مولاه الذي أعتقه ولم يخلف ذا رحم ، أن الميراث له فأقاموه مقام العصبة فصار هذا أصلا متفقا عليه .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في توريث ذي الرحم الذي ليس بصاحب فريضة ولا عصبة ، فإذا اجتمع المجمع على توريثه إذا انفرد مع المختلف في توريثه إذا انفرد ، كان المجمع على توريثه إذا انفرد [أولى] بالميراث من المختلف في توريثه ، واحتجوا بالأخبار التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة وشهرتها ، وميل الأكثر من أهل العلم إليها والقول بها ، وأن خبرا لم يجئ عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالف ذلك فوجب القول به لشهرته واستفاضته .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية