الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر شهادة أهل الأهواء

                                                                                                                                                                              واختلفوا في قبول شهادة أهل الأهواء فرأت طائفة رد شهادتهم ، وممن رأى ذلك شريك وأحمد وإسحاق وأبو ثور . [رد ] شريك شهادة يعقوب فقيل له : أترد شهادته ؟ فقال : ألا أرد شهادة قوم يزعمون أن الصلاة ليست من الإيمان!!! .

                                                                                                                                                                              6713 - حدثنيه موسى ، عن إسحاق ، عن يحيى بن آدم عنه ، وقال شريك : أربعة لا تجوز شهادتهم : رافضي يزعم أن له في الأرض إمام تفترض طاعته ، وخارجي يزعم أن الدنيا دار حرب ، وقدري يزعم أن المشيئة إليك ، ومرجئ .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد : ما تعجبني شهادة الجهمية ، والرافضة ، والقدرية المعلنة . وبه قال إسحاق ، وكذلك كل صاحب بدعة معلن بها داع إليها . وقال أبو ثور : كل هوى يخرجه إلى كفر وضلال عند أهل العلم ، ويكون بذلك القول مذموما عندهم ، فلا تجوز شهادته . وقد حكي عن مالك أنه قال في شهادة القدرية : لا تجوز . وقال أبو عبيد : البدع والأهواء كلها نوع واحد في الضلال كما قال ابن مسعود : كل بدعة [ ص: 289 ] ضلالة فلا أدري لأحد منهم شهادة إذا ظهر فيها غلوه ، وميله عن السنة . قلنا ذلك للآثار المتواترة ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الخوارج : "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " . وقال فيهم سعد : أولئك قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم . ومنه قول حذيفة في المرجئة : إني لأعرف أهل دينين لا حظ لهم في الإسلام الذين يقولون : الإيمان قول ولا عمل . وكذلك قول أبي هريرة وابن عمر في القدرية : هم نصارى هذه الأمة ومجوسها . وذكر أخبارا ثم قال : ولو لم يكن في هذه الأهواء شيء من الآثار الذي ذكرنا لكان في اجتهاد الرأي والنظر تكون شهادة أهلها مردودة ، وذلك أنا لا نعلم منهم صنفا إلا وهم يرون السيف ، ويستحلون من كل من خالفهم دماءهم وأموالهم ، فكيف يكون هؤلاء مأمونين على من لو قدروا عليه سفكوا دمه ، وغنموا ماله ، وانتهكوا حرمته يدينون بذلك تدينا ، فهم إذا كانوا يفعلون هذا بأيديهم فهم لهم بالألسنة في الشهادة أفعل وإليه أسرع .

                                                                                                                                                                              وأجازت طائفة شهادة أهل الأهواء إذا لم يستحل الشاهد منهم شهادة الزور . هذا قول ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري، والشافعي . وكان سوار يقبل [شهادة ] ناس من بني العنبر ممن يرى الاعتزال إذا كانوا عدولا ، [ ص: 290 ] وقال الشافعي : فلا ترد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله ، وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال ، أو الفرط من القول ، فكل مستحل بشيء من تأويل من قول أو غيره فشهادتهم ماضية ، لا ترد من خطأ في تأويله وذلك أنه قد يحل من خالفه الخطأ إلا أن يكون منهم من يعرف باستحلال شهادة الزور على الرجل ، لأنه يراه حلال الدم أو حلال المال ، فترد شهادته بالزور ، أو يكون منهم من يستحل أو يرى الشهادة للرجل إذا وثق به فيحلف له على حقه ، ويشهد له بالبت ، ولم يحضره ولم يسمعه ، فترد شهادته من قبل استحلال الشهادة بالزور ، أو يكون منهم من يباين الرجل المخالف له مباينة العداوة فترد شهادته من جهة العداوة .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان : شهادة أهل الأهواء جائزة ، ألا ترى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختلفوا ، وقتلوا ، وقتل بعضهم بعضا ، وشهادة بعضهم على بعض كانت جائزة ، فليس بين أصحاب الأهواء من اختلاف أشد مما كان بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتال ، وكل من نسب إلى هوى فعرفت فيه المجانة والفسق ، فإنه لا تجوز شهادته وإنما أرده للمجانة التي ظهرت .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية