الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر شهادة البدوي على القروي وإبطال ذلك إن ثبت الحديث

                                                                                                                                                                              6707 - حدثنا علان بن المغيرة ، قال : حدثنا ابن أبي مرة ، قال : أخبرنا نافع - يعني ابن يزيد - قال : حدثني ابن الهاد ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية " . [ ص: 274 ]

                                                                                                                                                                              6708 - وحدثنا علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد ، قال : حدثنا أبو الأسود ، عن نافع بن يزيد ، عن [يزيد ] بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، عن محمد بن عمرو بن حلحلة ، عن عمرو بن علقمة ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية " .

                                                                                                                                                                              وقد اختلف أهل العلم في جواز شهادة البدوي على القروي . فقالت طائفة : شهادته جائزة إذا كان عدلا على ظاهر قوله : ( ممن ترضون من الشهداء ) لا فرق بين القروي والبدوي في ذلك ، إذ هما جميعا في سائر الأحكام واحد .

                                                                                                                                                                              هذا قول ابن سيرين والشافعي وأبي ثور ، وبه قال النعمان [ ص: 275 ] وأصحابه ، وبه نقول إذا كان عدلا لظاهر قوله : ( ممن ترضون من الشهداء ) فإذا كان الشاهد عدلا وجب قبول شهادته ، قرويا كان أو بدويا ، وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل شهادة أعرابي على هلال شهر رمضان ، وفي ذلك أبين البيان على أن شهادة البدوي مقبولة إذا كان عدلا فيما تقبل فيه شهادة القروي .

                                                                                                                                                                              6709 - حدثنا نصر (بن) زكريا ، قال : حدثنا داود بن مخراق ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن سفيان الثوري، عن سماك، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الهلال . قال : "تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . . . . فنادى أن صوموا " . [ ص: 276 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد تكلم غير واحد من أهل العلم في معنى حديث أبي هريرة فدفع ناس من أهل الحديث أن يكون الحديث ثابتا . وقال بعضهم : هو غلط . وقال أبو عبيد : لا أرى شهادات الأعراب على أهل القرى ردت للتهمة بشهادة الزور ، ولا كانوا يعرفونها ، ولكني أرى ذلك لما فيهم من الجفاء في الدين ، والجهالة بحدود الله وشرائعه ، ولهذا جاءت الآثار أن أعرابيا لو حج عشر سنين ثم هاجر كانت عليه حجة الإسلام . ومن ذلك نهي عمر بن عبد العزيز عن تزويج الأعراب المهاجرة يخرجها إلى داره . ومنه الحديث الذي فيه التغليظ (في) التعرب بعد الهجرة ، وذلك لبقايا اختلاف أهل الجاهلية فيهم ، من ذلك استقادتهم في القتل من [ ص: 277 ] غير القاتل . ومنه منعهم الولد ميراث أبيه إذا كانت أمه غير مهيرة وكان له إخوة أبناء مهائر ، ومنه إجابتهم دعوى القبائل إذا قيل مال فلان ومال فلان ، فليس يخرج من ذلك ذوو الأسنان (وأنزعه) منهم ، ولا يرونه مأثما ولا حرجا فضلا عن سفهائهم ، وروي عن عمر بن عبد العزيز في شهادات البربر نحو هذا ، وقال آخر نحوا مما قال أبو عبيد . وقال : لما كان الأغلب والأظهر أن أهل البدو يجهلون الأحكام ، ولا يحسنون احتمال الشهادات ولا تأديتها ، فإنما أسقطت شهادتهم على الأغلب ، والأظهر من أمرهم ، وكان مالك بن أنس يقول غير ذلك ، قال مالك : لا أرى شهادة البدوي على القروي جائزة ؛ لأن معه في الحضارة من يغنيه عن البدوي إلا أن يكون معه في بادية ، أو في قرية ، وذلك لأن الناس لم يبرحوا يتوثقوا لأنفسهم في حقوقهم ، ويشهدون العدول . والذي يشهد بدويا ويدع جيرته من أهل الحضر عندي مريب .

                                                                                                                                                                              قال مالك : فأما شهادة البدوي في الجراح ، فإني أرى إذا كان البدوي عدلا أن تجوز شهادته ، وذلك أن الجراح يلتمس لها الخلوة ، وموضع غير أهل العدالة من الشهداء ، أو لا يستطيع من أصابه ذلك أن [ ص: 278 ] يحضر الشهداء لذلك ، وقال مالك : لا تجوز شهادة بدوي على قروي في الحضر ، إلا أن يكون القروي في سفر فباع أو أوصى فأشهدهم ، فإني أرى شهادتهم جائزة إذا كانوا عدولا .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية