الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلافهم في قبول شهادة أهل الذمة على وصية المسلم في السفر

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في معنى قوله : ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ) فقالت طائفة في قوله : ( أو آخران من غيركم ) من أهل الكتاب .

                                                                                                                                                                              6742 - حدثنا علي ، عن أبي عبيد قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن [ ص: 319 ] سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، أن أبا موسى أجاز شهادة أهل الذمة على الوصية .

                                                                                                                                                                              وممن قال في قوله : ( أو آخران من غيركم ) إنه من غير أهل الملة : عبيدة السلماني ، ومحمد بن سيرين ، ومجاهد ، وقال سعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، والشعبي في قوله : ( أو آخران من غيركم ) قال : من أهل الكتاب . وكان الحسن البصري يقول : من غير قبيلتكم . وقال عكرمة : من غير حيكم ، واختلفوا في قبول شهادة أهل الكتاب على مسلم في الوصية في السفر في حال الضرورة فأجازت طائفة ذلك ، وممن أجاز ذلك : شريح ، وإبراهيم النخعي ، وبه قال الأوزاعي ، ويحيى بن حمزة . وقال الميموني : سألت أبا عبد الله شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض قال لي : أرجح إلي أنهم ليسوا بعدول . قلت : قد أمر الله بشهادتهم ، قال لي : في ذلك الموضع للضرورة . وقد احتج بعض من يقول هذا القول مع ظاهر الآية بحديث ابن عباس :

                                                                                                                                                                              6743 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، وعبد الله بن أحمد قالا : حدثنا صالح بن عبد الله الترمذي قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن محمد بن أبي القاسم ، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري ، وعدي بن بداء ، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم ، فلما قدما بتركته فقدوا جاما [من فضة] مخوصا بذهب فأحلفهما رسول [ ص: 320 ] الله صلى الله عليه وسلم ثم وجدوا الجام بمكة ، فقالوا : اشتريناه من تميم وعدي ، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا : لشهادتنا أحق من شهادتهما ، وأن الجام لصاحبهم . قال : وفيهم نزلت هذه الآية .

                                                                                                                                                                              واحتج بأخبار سوى هذا الخبر قد أثبتها في كتاب التفسير ، وقال : القائل بخلاف هذا القول تاركا للقول بظاهر الكتاب ، وبظاهر الأخبار ، ومخالف معنى اللغة ، وذلك أن العرب إنما تكني عن المذكور في أول الكلام ، وليس للقبيلة ذكر في أول الكلام حتى تكون الكناية الثانية من قوله : ( من غيركم ) عائدة إلى غير القبيلة ، ألم تسمع إلى قول الله : ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ) ووقع الذكر بهم باسم الإيمان الجامع لهم ثم قال : ( أو آخران من غيركم ) فكانت الكناية في غيرهم إنما هي دالة على غير المنادين ، ولا يجوز في اللغة غير ذلك ، وغير جائز العدول عن القول بظاهر الكتاب لتوهم متوهم ، أو حكاية عن مغفل ، وقال غير هذا القائل : فأما دعوى من ادعى أنها منسوخة فقد جاءت الأخبار عن الأوائل بخلاف هذا القول .

                                                                                                                                                                              6744 - حدثنا علي ، عن أبي عبيد قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير قال : حججت [ ص: 321 ] فدخلت على عائشة فقالت لي : يا جبير هل تقرأ المائدة؟ قلت : نعم . قالت : أما إنها من آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه ، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقال عمرو بن شرحبيل : في المائدة ثمان عشرة فريضة ليست في غيرها من القرآن ، وهي آخر ما نزل ، وليس فيها منسوخ . وقال ابن عون : سئل أو سألت الحسن أنسخ من المائدة شيء؟ قال : لا . قال : ولو لم تكن هذه الأخبار موجودة ، لم يجز أن يوجب نسخ آية بآية أخرى توجب حكما غير حكم الآية الأخرى ، ولوجب أن يستعمل كل آية في موضعها وفيما نزل فيها .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية