الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر أبواب الاختلاف في الشهادات

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الشاهدين يختلفان ، يشهد أحدهما بألف والآخر بألفين . فقالت طائفة : يجاز من ذلك ألف درهم ، هذا قول ابن أبي ليلى ، ويعقوب ، ومحمد ، والمزني .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد روينا عن شريح أنه قضى لرجل بألف درهم ، وقد شهد له أحد شاهديه بألف درهم ، وشهد الآخر بألف درهم ومائتي درهم .

                                                                                                                                                                              وأبطلت طائفة هذه الشهادة ، وممن أبطل ذلك : النعمان ، ولو شهد أحد الشاهدين بألف درهم وخمسمائة درهم كانت الألف جائزة في قول ابن أبي ليلى ، والنعمان ، وذكر الذي حكى هذا عن النعمان أنه إنما أجاز هذا ، لأنه كان يقول : قد سمى الشاهدان جميعا ألفا ، وقال الآخر : خمسمائة فصارت هذه مفصولة من الألف .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن الشعبي أنه قال في رجل شهد عليه رجلان ، أحدهما على سبعة والآخر على ثلاثين فأبطل شهادتهما .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث : قاله مالك : قال : إذا شهد أحد الشاهدين لرجل على رجل بمائة درهم ، وشهد الآخر له بخمسين ، إن أراد حلف مع الذي شهد له على المائة وأخذها ، وإن أراد أخذ الخمسين بلا يمين .

                                                                                                                                                                              قال مالك : وقد تختلف الشهادة في اللفظ ويكون المعنى واحدا ، [ ص: 355 ] فإذا كان المعنى واحدا رأيتها شهادة واحدة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : صدق مالك ، لو أن شاهدين شهدا على رجل بألف درهم شهد أحدهما بالعربية والآخر بالفارسية ، ولم يخلفا في المال جازت شهادتهما ، ذلك أن العرب والعجم لا تختلف أحكامهم في أبواب النكاح ، والطلاق ، والعتق ، والبيوع ، وغير ذلك يلزم كلا بلسانه ما يلزم غيره ، وكان عمر بن الخطاب يقول : من قال لرجل من أهل الحرب مطرس ، أو لا تدخل أن ذلك أمانا . وقول أبي عبيد كقول مالك ، وقال (أشهب) : في شاهدين شهد أحدهما بخمسمائة والآخر بألف ، فقال لصاحب الحق : احلف أن لك على هذا ألفا مع شاهدك . قال إسحاق : إن لم يحلف جازت على خمسمائة لما اتفقا على ذلك . وقال الشافعي : فإذا ادعى الرجل على الرجل ألفي درهم ، وجاء عليه بشاهدين شهد أحدهما له بألف والآخر بألفين سألتهما فإن زعما أنهما شهدا بها عليه بإقراره ، [أو] زعم الذي شهد بألف أنه شك في [ ص: 356 ] ألفين وأثبت ألفا ، فقد ثبت عليه ألف بشاهدين إن أراد أخذها (بلا يمين وإن أراد أخذ الألف الأخرى التي له عليها شاهد واحد أخذها) بيمين مع شاهده ، وإن كانا اختلفا فقال الذي شهد بألفين : شهدت بها عليه من ثمن [عبد] قبضه ، وقال الذي شهد عليه بألف شهدت بها عليه من ثمن ثياب قبضها ، فقد بينا أن أصل [الحقين] مختلف فلا يأخذ إلا بيمين مع كل واحد منهما ، فإن أحب حلف معهما ، وإن أحب حلف مع أحدهما وترك الآخر إذا ادعى ما قالا .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية