الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الجارية بين الشريكين يطؤها أحدهما فقالت طائفة : تقوم عليه الجارية إن كان له مال ، ويلحق به الولد ولا يجلد الحد ، ويعاقب بنكال موجع للذي اجترم ، وليس عليه من قيمة ولده شيء . هذا قول مالك ، ابن نافع عنه ، قال ابن نافع : وإن كان لا مال له وكان الشريك يتمسك بنصيبه إن شاء ويتبعه بنصف قيمة ولده . قال مالك : وإن لم تحبل لم تقوم عليه إلا أن يشاء شريكه أن يلزمه إياها بالقيمة لوطئه إياها .

                                                                                                                                                                              قال ابن عبد الحكم ، عن أشهب : سئل مالك عن جارية كانت بين رجلين فوقع عليها أحدهما فتحمل منه وتلد ، فقال : إن كان له مال أقيمت عليه ، ولم أر أن يقام عليه الولد لا أرى ذلك .

                                                                                                                                                                              وقياس قول الشافعي فيما زعم المزني : أنه إذا أقر أنه أولدها وهي في ملكهما ، إن كان موسرا كان عليه نصف قيمتها ونصف مهر مثلها لشريكه . وفي نصف قيمة ولدها إن كان حيا ، في قول الشافعي قولان : [ ص: 209 ] أحدهما : أن عليه نصف قيمته يوم سقط .

                                                                                                                                                                              والآخر : لا شيء عليه . وهذا أقيس ؛ لأن الحال التي أحبلها هي الحال التي صارت بها أم ولد ، وإن تأخر الولاد فليس له من قيمة الولد شيء ، لأنه من حين ما حملت ماء مهين فلا قيمة لذلك ، وإن كان معسرا فقياس قوله أن عليه نصف مهر مثلها ، ونصف قيمة ولدها في أحد قوليه يوم سقط . والآخر : يكون بينهما نصفين ، ويكون نصف المحبل في معنى أم الولد ، تعتق بموته ، ونصف ولده حر ، والنصف الآخر منهما لشريكه مملوك ، والنفقة على كل واحد منهما نصفان .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا كانت أمة بين رجلين فولدت ولدين كل واحد في بطن ، فادعى أحدهما الأكبر ، وادعى الآخر الأصغر ، وكانت الدعوى معا جميعا فإن كانا عالمين لا يعذرا بالجهالة حدا جميعا ، وكان الولدين جميعا مملوكين ؛ لأن هذا وطء حرام لا يلحق به النسب ، وعلى كل واحد منهما نصف العقر لصاحبه إلا أن تكون الجارية تعلم أن هذا حرام فهي زانية عليها الحد ، ولا عقر لها ، وإن كانا يعذران بالجهالة كان كل واحد من الولدين للذي ادعاه على صاحب الولد الأكبر نصف قيمتها لصاحب الولد الأصغر ، ونصف قيمة الولد ونصف العقر ، وعلى صاحب الولد الأصغر قيمة الولد وعقرها لصاحب الولد الأكبر ، لأنها قد صارت أم ولد له ، وضمن نصف قيمتها ونصف عقرها ونصف قيمة الولد لصاحبه ، وصارت ملكا له . فلما وطئها الآخر على شبهة كان بيعا للأم إلا أنه تقوم عليه ، وذلك أنه وطئ على ملك غيره . [ ص: 210 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : تكون أم ولد لصاحب الأكبر ، والأكبر ابن ثابت النسب منه ، وهو ضامن لنصف قيمتها ونصف عقرها ، والأصغر من ولدها ابن الذي ادعاه ، ويضمن قيمته ، ونصف عقرها لصاحب الأكبر ، وكان ينبغي في القياس أن لا تجوز دعواه ، ولكن استحسنت ذلك فأجزته . ولو ادعى صاحب الكبير أول مرة ، ثم ادعى صاحب الأصغر بعد ذلك ، لم تجز دعواه وكان الأصغر لصاحب الأكبر مع الأم ويثبت نسب الأكبر ، ويضمن الأب نصف قيمة الأم ونصف عقرها ، ولو كان ادعاء صاحب الأصغر أولا . ثبت نسبه وكانت أمه أم ولد له ، ويضمن نصف عقرها ونصف قيمتها ، فإن ادعى صاحب الأكبر بعده ثبت نسبه ، وضمن الأب نصف قيمته ونصف المهر .

                                                                                                                                                                              قال أبو ثور : والذي أقول به إذا ادعى الأكبر أولا ألزمناه نصف قيمة الأم ونصف قيمة الولد الأكبر ونصف العقر ، فلما جاءت بولد آخر لزمه ، لأنها صارت فراشا له ، فكل ولد جاءت به لزمه وليس له نفيه ، وإن ادعى صاحب الصغير أولا ألزمناه نصف قيمتها ونصف قيمة الولد ، وكان الولد الكبير ، لما جاءت به وهي أمة لهما فهو مملوك لهما ، فلما ادعى الآخر ألزمناه نصف قيمته لصاحبه ، وألزمناه نصف العقر بإقراره أنه قد وطئ ، ولو علمنا أن وطأه كان أولا كان الحكم في ذلك كما قلنا في أول المسألة ، وإنما حكمنا في هذا على إقرارهما .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا مات رجل وترك جارية حبلى ، وترك ابنين فادعى أحد الابنين أن الحمل من أبيه ، وادعى الآخر أن الحمل منه ادعيا معا . [ ص: 211 ]

                                                                                                                                                                              فإن كان الأب يقر بوطئها كان الحمل منه والولد ولده ، وإن لم يقر بالحمل كان نصف الجارية حرا ، وكان الولد حرا وذلك أنهما جميعا قد أجمعا على أنه حر وكانت دعوة الابن باطلا ، وذلك أن الأب مات وهي حامل ، فإن كان وطئها وهي لأبيه فوطئه وطء حرام لا يثبت به النسب ، ولا يضمن الذي أقر أن الحمل من أبيه شيء ، وذلك أنه لم يعين شيئا ، وإنما أقر أنها عتقت بسبب أبيه ويعطى الولد ثلث ما في يده من الميراث ، لأنه أقر بأنه أخوه ، ويكون الذي ادعى الحمل نصف الجارية ، وليس له بيعها ، لأنه يقر أنها أم ولد له ، وليس له وطؤها .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : الحمل من ابن الميت الذي ادعاه لنفسه ، ولا يصدق الأخ على دعواه للأب ، ويضمن الأخ الذي أثبت النسب منه لأخيه نصف قيمتها ، ونصف العقر ، وإن كان الذي ادعى هو لنفسه هو الذي بدأ بالدعوى ، وكان الجواب على ما وصفت لك . ولو كان الذي ادعى الحبل للأب هو الذي بدأ بالدعوى عتق نصيبه من الأم و[مما ] في بطنها ، وتجوز دعوة الآخر ويثبت نسبه منه ، ولا يضمن [من ] قيمة الأم شيئا ، و[يضمن ] نصف عقرها إن طلب ذلك أخوه ، وأما الابن فإني أثبت نسبه منه ؛ لأن حصته منه رقيق بعد في قول أبي حنيفة . قال أبو ثور : والذي قال الجاهل خطأ من كل وجه إذا [ ص: 212 ] كان لا يضمنه من قيمة الرقيق شيئا لأخيه فلم يضمنه نصف العقر والأخ يزعم أنه ليس يملك هذه الجارية ، وأنها حرة وقد بينا القول في ذلك .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية