الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر دعوة الرجل ولد مكاتبته أو ولدا منها :

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا ادعى الرجل ولد مكاتبته ولم يكن لها زوج ولا كان له نسب معروف وكان المولى حرا ، فإنه ولده ، وهو حر ، وإن كذبته المكاتبة ، [ ص: 205 ] فإن شاءت مضت على كتابتها ، وإن شاءت عجزت فصارت أم ولد له ، وكذلك قال أصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              وإذا ادعى الرجل ولد أمة مكاتبه أو مكاتبته الذي قد ولدته في ملك المكاتب وكذبه المولى ، فإنه لا يصدق على ذلك ، وإن صدقه المولى لم يكن ولده أيضا ، فإن كان ممن لا يعذر بالجهالة حددناه ، وكان عليه عقر جارية المكاتب هذا قول أبي ثور . قال : وذلك أن أهل العلم قد منعوا مولى المكاتب أن يأخذ من ماله شيئا فلما كان ماله ممنوعا منه لم يكن له أن يطأ جاريته ، وإن كان ممن يعذر بالجهالة لم يحد ، وكان عليه العقر للأمة إلا أن تكون الأمة علمت أن هذا لا يحل لها ، وكانت زانية كان عليها الحد ولا عقر لها ، ويكون ولدها مملوكا للمكاتب ، وقال أصحاب الرأي : لا يصدق ، فإن صدقه المولى كان ابنه وهو ضامن لقيمته . وهو حر .

                                                                                                                                                                              قال أبو ثور : وإذا ادعى المولى عبدا في يد مكاتبه اشتراه ، فقال : هو ابني فإنه لا يصدق على ذلك ولا يكون ابنه ، ولو علم أنه ابنه من أمة كان تزوجها كان نسبه ثابتا منه ، وكان عبدا للمكاتب ولا يعتق عليه بثبوت نسبه من مولى المكاتب ، وذلك أن المكاتب مالك ماله ليس لمولاه أن يأخذ من يده شيئا ، وكذلك لو أعتق المولى عبدا للمكاتب كان عتقه باطلا ، وهذا لا أعلم فيه اختلافا ، فلما لم يكن له أن يعتق عبده لم يكن يعتق عليه عبده في يده بدعوته أنه ابنه معروفا كان أو مجهولا . وقال أصحاب الرأي : لا يصدق على ذلك ولا يكون ابنه ، لأنه لم يولد في [ ص: 206 ] ملك المكاتب ، ولو صدق على هذا لأعتق رقيق المكاتب كلهم بدعاية أنهم ولده إنما استحسن أن أصدقه إذا كان الحبل في ملك المكاتب ، ولو أن المكاتب اشترى ابنا لمولاه معروف النسب منه لم يعتق . قال أبو ثور : فإذا كان الجاهل يقول : إذا اشترى ابن مولاه وهو معروف النسب فلم يعتق عليه لم يعتق عليه ولد أمته إذا ادعاه المولى وكان عليه قيمته . هذا خطأ وتناقض .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : ولو أن المولى ادعى ولد مكاتبة المكاتب وكذبته المكاتبة لم يكن ولده ، وكان القول فيه كما قلنا في المسألة قبلها ، وإن صدقته المكاتبة كان كذلك لا يكون ولده إلا أن يكون تزوجها فأولدها ويكون نسبه ثابتا ، ويكون ابن المكاتب فإن عجزت الأم ردت رقيقا ، وكان الولد عبدا للمكاتب الأول ، فإن عجز المكاتب الأول ورد رقيقا كان للمولى أخذ ماله وأخذ الأمة وولدها ، وكان ولده حرا وكانت أم ولده . وهذا على مذاهب أبي عبد الله - يعني الشافعي - وقوله . وفي قول مالك : الولد حر ولا تكون أم ولده حتى تلد وهي مكاتبة ، وقال أصحاب الرأي : إن كذبته المكاتبة لم يصدق . وهذا قول النعمان ويعقوب ومحمد ، فإن صدقته فهو ابنه وهو بمنزلة أمه ، وإن عجزت والمكاتب على حاله أخذ المولى ابنه بالقيمة وإن أدت فعتقت [ ص: 207 ] فهو حر معها وهو ثابت النسب منه .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا ادعى الرجل ولد أمة مكاتب مكاتبه فكذبه مولاها وصدقه المكاتب الأول ، فإنه لا يصدق على ذلك ، والقول في ذلك كما قلنا في المسائل قبلها ، وقال أصحاب الرأي : لا يصدق على ذلك ولا يكون ابنه ، فإن عجز فرد إلى ملك المكاتب الأول أخذه المولى بالقيمة وإن عتق لم يصدق المولى ، وإن صدقه المكاتب الذي له الأمة فهو ابنه ولا يأخذه بالقيمة .

                                                                                                                                                                              واختلفا في الرجل يدعي ابن مكاتبته ولها زوج معروف ، فقال أبو ثور وأصحاب الرأي : لا يصدق على النسب غير أن أصحاب الرأي قالوا : يعتق الولد . وقال أبو ثور : لا يعتق ؛ لأن النسب إذا بطل بطل العتق ، وقالوا جميعا : لو أن الأب زوج الأمة أقر أنه من المولى لم يقبل قوله ، ولم يجز دفع الولد عن الفراش ؛ لأن للولد حقا فلا يدفع حقه بقولهما ، وكذلك في قولهم جميعا : لو كان الزوج عبدا للمولى والذمي والمسلم في ذلك سواء .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا ادعى رجل ولد مكاتبة بينه وبين رجل آخر ، فإن كان يعذر بالجهالة وصدقته المكاتبة كان الولد ولده ، وضمن لشريكه نصف قيمتها ، ونصف قيمة الولد ، ونصف العقر ، وكانت على كتابتها ، فإن أدت عتقت ، وإن عجزت ردت رقيقا وكانت أم ولد له .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : صدقته أو كذبته فهو يصدق وهو ابنه وهو حر ثابت النسب منه ، وتأخذ العقر فتستعين به في كتابتها ، فإن أدت [ ص: 208 ] عتقت وكان ولاؤها بينهما نصفين ، وإن عجزت كانت أم ولد لأبي الولد ويضمن نصف قيمتها .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية