الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ميراث الحميل

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في ميراث الحميل ، فروي عن عمر بن الخطاب أنه كتب : ألا تورثوا حميلا إلا ببينة .

                                                                                                                                                                              6889 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج ، نا حماد ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، أن عمر بن الخطاب كان لا يورث الحميل .

                                                                                                                                                                              6890 - حدثنا محمد بن علي قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جدعان ، عن سعيد بن المسيب قال : كتب عمر بن الخطاب : ألا تورثوا حميلا إلا ببينة .

                                                                                                                                                                              6891 - حدثنا إسحاق قال : ثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، أن عثمان كان لا يورث بولادة أهل الشرك . [ ص: 487 ]

                                                                                                                                                                              وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ، وقال : لا يتوارثون حتى يشهد على النسب . وقال مالك بن أنس في "الموطأ " : الأمر عندنا أنه لا يورث أحد من الأعاجم من أحد من الأعاجم شيئا بولادة العجم ، إلا أن تكون امرأة جاءت حاملا من أرض العجم فوضعت في العرب ، فهو ولدها يرثها إن ماتت وترثه إن مات ، ميراثها في كتاب الله .

                                                                                                                                                                              وحكى عنه ابن القاسم أنه سئل عن ولادة الكفر الذين يتوارثون فقال : إما أهل حصن يسلمون ، وجماعة يتحملون إلى الإسلام ويدخلون فيه ، فإني أرى هؤلاء يتوارثون ، وإما نفر يسير الرجلان والثلاثة ونحوهم فلا أرى أن يتوارثوا بولادة نفر . وكان الشافعي يقول : إن كانوا جاؤونا مسلمين لا ولاء لأحد عليهم بعتق قبلنا دعواهم ، كما قبلنا دعوى غيرهم من أهل الجاهلية الذين أسلموا ، وإن كانوا مسبيين عليهم رق أو أعتقوا فثبت عليهم ولاء لم تقبل دعوتهم إلا ببينة تثبت على ولادة أو دعوى معروفة كانت قبل السبي ، وهكذا من قل منهم أو كثر ، أهل حصن كانوا أو غيرهم .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل : إذا سبوا جماعة فأسلم بعضهم فشهد لبعض توارثوا ، ثم قال : يلتف بعضهم إلى بعض فيدعون القرابة فلا ، حتى تثبت البينة ، ثم قال أحمد : ما أعجب قول أهل المدينة في هذا لا يورثون بولادة أهل الشرك ، وذكر قول ابن سيرين : قد توارث المهاجرون والأنصار بنسبهم الذي كان في الجاهلية ، فأنا أنكر أن [ ص: 488 ] يكون عمر كتب بهذا يعني قوله : لا يتوارثون إلا بشهادة الشهود . وقال عبيد الله بن الحسن : لا يورث الحميل إلا ببينة ، وإذا أقر بأن هذا أخوه أو ابن عمه رده . وروي عن عثمان بن عفان - وليس بثابت عنه - أنه كان لا يورث بولادة أهل الشرك .

                                                                                                                                                                              وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب أن لا يورث الحملاء في ولادة الكفر .

                                                                                                                                                                              وكان الشعبي يقول : إذا كان نسب معروف موصول ورث - يعني الحميل - وعن مسروق : أنه ورث رجلا من أخ له كان حميلا ، وقال الحكم وحماد : يورث الحميل .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم ولأهل الشرك نكاح بينهم وملك يمين ، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم أنسابهم وتوارثوا على عهده وبعد وفاته بالولادة الذي كان في الشرك لا اختلاف في ذلك أعلمه ، وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : من أبي؟ قال : "أبوك حذافة " . [ ص: 489 ]

                                                                                                                                                                              6892 - حدثنا إسحاق قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري قال : أخبرني أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر ، فلما سلم قام على المنبر فذكر في الساعة ، وذكر أن بين يديها أمورا عظاما ثم قال : "من أحب أن يسألني عن شيء فليسأل " ، فقام عبد الله بن حذافة فقال : من أبي يا رسول الله؟ قال : "أبوك حذافة " .

                                                                                                                                                                              وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الولد للفراش وللعاهر الحجر "
                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد تكلم أهل العلم في الأخبار التي رويت عن عمر ، وعثمان ، فدفع حديث عمر يحيى بن معين; لأن الذي رواه علي بن زيد قال : كان يحيى بن معين يقول : ليس بشيء ، وكان يحيى القطان يتقي الحديث عن علي بن زيد ، وحديث عثمان مرسل ، وقد اختلفوا في تفسير الحميل ، فحكي عن يحيى بن آدم أنه قال : الحميل : ما ولد في الشرك فتعارفوا في الإسلام ، فأقر بعضهم بقرابة بعض ، فإنه لا يجوز إقرارهم ولا يصدقون إلا ببينة ، وقال بعضهم : الحميل الذي يحمل نسبه على غيره مثل أن يقول : هذا ابن ابني أو أخي أو عمي أو ابن عمي ، وكل نسب فكذلك إلا الولد ، فإنهم لا يختلفون فيمن أقر فقال : هذا الطفل [ ص: 490 ] ابني وليس للطفل نسب معروف ينسب إليه أن نسبه يثبت بإقراره ، وكذلك لو ادعى بالغا من الرجال فقال : هذا ابني وأقر له البالغ بذلك ، ولا نسب معروف للبالغ المقر به ، أنه ابنه إذا جاز أن يولد لمثله مثله ، وكان سفيان الثوري يقول : إذا ادعت المرأة أن هذا ولدها لم يجز إلا ببينة ليست هي بمنزلة الأب ، وكذلك قال يحيى بن آدم ، وقال بعضهم : الفرق بين الرجل والمرأة في الإقرار بالولد أن الرجل لا يطلع على ثبوت نسب الولد منه إلا بإقراره ، والمرأة على الشهادة على ولادتها فكلفت البينة ، وكذلك قال أبو ثور ، ولم يحكوا في هذا اختلافا ، ولا أعلم أحدا خالف هذا إلا إسحاق ، فإنه كان يرى أن إقرار المرأة جائزة كإقرار الرجل ويقول : هي أثبت إقرارا وأولى بأن يقبل قولها من الرجل; لأن المرأة تزني فتأتي بولد فيثبت نسبه منها وإن كان من زنا ، والرجل إذا زنى لم يثبت نسب الولد منه ، ولا يجوز إقراره بولد الزنا في قول عامة العلماء ، وحكي عن أصحاب الرأي أنهم قالوا : لا يجوز إقرار الرجل إلا بأربعة : بالولد ، والأب ، والمرأة ، والمولى ، ولا يجوز إقرار المرأة إلا بثلاثة : بالولد إذا صدقها ، وبالزوج ، والمولى ، ولا يجوز إقرارها بالولد ، وذلك إذا كان للمقر وارث معروف ، قالوا : فإذا لم يكن له وارث معروف فإنا نجيز إقراره لمن أقر به سوى هؤلاء ، ويدفع ماله إلى من أقر به ، قالوا : لأنا نجعل إقراره له بمنزلة الوصية منه له من غير أن يثبت نسبه ، واحتجوا بحديث ابن مسعود أنه قال : يا معشر همدان إنكم أحرى حي أن يموت الرجل منكم وليس له وارث يعلم ، [ ص: 491 ] فإذا كان ذلك فليضع ماله حيث يشاء ، قالوا : فإذا أقرت المرأة بابن لها وليس لها وارث يعرف ، فإن ميراثها يدفع إلى الذي أقرت به ، قالوا : فإن كان لها زوج لم يحجب الزوج عن النصف بإقرارها ، ولكن يعطى الزوج النصف والباقي لابنها . قالوا : لأن لها أن تضع مالها حيث أحبت والباقي بعد ميراث الزوج ، كأنها أوصت به لهذا الابن الذي أقرت به .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية