الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الشهادة على الخط

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يمنع أن يشهد الشاهد على خطه إذا لم يذكر الشهادة ولم يحفظها . [ ص: 362 ]

                                                                                                                                                                              قال الشعبي : لا يشهد أبدا إلا على شيء يذكره ، فإنه من شاء انتقش خاتما أو من شاء كتب كتابا . وبه قال قتادة .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : قد أثبت غير مرة بخط يدي أعرفه على شهادة لا أثبتها فلا أشهد . واحتج مالك بقول الله - جل ذكره - ( وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين ) .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد في قوم أشهدوا على صحيفة ، فبعضهم ينظر فيها ، وبعضهم لا ينظر ، أيشهد الذي لم ينظر؟ فقال : إذا حفظ فليشهد ، فإن لم يحفظ فكيف يشهد؟! وقال أحمد : إذا حفظ المعنى لم يبال غيره مثل الحدود والثمن .

                                                                                                                                                                              6751 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد قال : حدثنا أزهر السمان ، عن ابن عون ، عن نافع قال : كان ابن عمر وصي رجل ، فأتاه رجل بصك قد درست أسماء شهوده ، فقال ابن عمر : يا نافع اذهب به إلى المنبر فاستحلفه . فقال الرجل : يا ابن عمر أتريد أن تسمع بي الذي (يسمعني أشهد) يسمعني ها هنا؟ قال : صدق فاستحلفه وأعطاه إياه .

                                                                                                                                                                              وقال أبو عبيد : وجه هذا الحديث عندي : أن يكون ابن عمر قد كان عرف أصل الحق على الميت ، إلا أنه خاف أن يكون قد قبضه منه الطالب فأحلفه لذلك ثم أعطاه إياه . [ ص: 363 ]

                                                                                                                                                                              وممن مذهبه أن لا يشهد على الخط وإن عرفه حتى يذكر الشهادة ويعلمها : الشافعي ، وأهل الكوفة ، وأبو عبيد ، وأكثر أهل العلم ، وبه نقول . وذلك أن الخط قد يمثل على الخط حتى لا يميز المميز بين الأشياء ، وقد كانوا فعلوا مثل هذا أيام عثمان بن عفان مثلوا على مثل خاتمه وكتابه ، في قصة مذكورة في مقتل عثمان وأعلى ما يحتج به في هذا الباب قول الله - جل ذكره - : ( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) ، وقوله ( وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين ) ، فغير جائز أن يشهد إلا بما يعلم ، والعلم يكون من وجوه ، وقد بينته في غير هذا الموضع .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن الزهري أنه قال : كان يقضى في أول الزمان أن ما أحدث الناس من المظالم ودعوى الباطل في كل حق مكتوب : بشهادة الأموات أن شهادتهم تجوز ، فلما أحدث الناس اكتتاب شهادات الموتى ، والدعوى على كل ميت ، صار القضاء إلى أن يأتي طالب الحق بشهداء على شهادة الموتى ، أو بكتاب حق يعرف خط كاتبه يعني ، وإلا كانت فيه الأيمان على الذي يدعى عليهم : بالله ما لطالب هذا على صاحبنا حق ، فمن حلف برأ نفسه ، ومن أبى [ ص: 364 ] استحق عليه طالب الحق يمينه بالله ، أن هذا الكتاب لحق ، ثم كان على المدعى عليه أن يأتي بالبراءة أو يغرم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية