الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              الحكم في العبد بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه وهو موسر

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في العبد يكون بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه منه . فكان ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وسفيان الثوري يقولون : إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه ، فإن كان موسرا حين أعتقه عتق العبد كله [ ص: 508 ] وصار حرا ، وغرم لشريكه قيمة نصيبه في ماله ، والولاء كله له . وكان مالك يقول : إذا أعتق أحد الشريكين حصته من العبد عتق نصيبه ، ولم يعتق نصيب الآخر حتى تقوم عليه حصة الذي لم يعتق ، ويؤمر بأدائها إلى شريكه ، فإذا أداها عتق العبد كله وله ولاؤه ، وإنما يصير حرا إذا أخذت منه القيمة ، فأما قبل ذلك فلا ، وقد حكي عن ربيعة ويحيى بن سعيد كقول مالك .

                                                                                                                                                                              وكان النعمان يقول : إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه وهو موسر ، فشريكه الذي لم يعتق بالخيار إن شاء أعتق كما أعتق ، وكان الولاء بينهما نصفين ، وإن شاء استسعى في نصف قيمته ، ورجع شريكه بما ضمن على العبد فاستسعاه فيه ، فإذا أداه عتق فكان الولاء كله للمعتق ، والعبد ما دام يسعى بمنزلة العبد في شهادته وحدوده ، وخالفه أصحابه ، وقالوا بمثل قول سفيان الثوري وسائر أهل العلم ، فبقي قول النعمان منفردا لا أنيس معه . وقد كان الشافعي - إذ هو بالعراق - يقول بقول مالك في هذه المسألة ، ثم قال بمصر فيها قولان : أحدهما كقول مالك . قال والقول الثاني : أني أنظر إلى [الحال التي أعتق فيها] شركا له في عبد فإن كان حينئذ موسرا ثم أعسر ، كان حرا وتبع بما يضمن منه ، ولم ألتفت إلى تغير حاله . [ ص: 509 ]

                                                                                                                                                                              قال : وهذا القول الذي يصح فيه القياس ، واحتج بعض أهل المدينة لقول مالك بظاهر أخبار ابن عمر ، وهي أخبار ثابتة .

                                                                                                                                                                              6923 - أخبرنا حاتم بن منصور ، أن الحميدي حدثهم قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أيما عبد كان بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه ، فإن كان موسرا فإنه يقوم بأعلى القيمة - أو قال : قيمة عدل - لا وكس ولا شطط ، ثم يغرم لصاحبه حصته ، ثم يعتق " .

                                                                                                                                                                              قال سفيان : وكان عمرو يشك فيه هكذا .

                                                                                                                                                                              6924 - وأخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد ، قوم عليه قيمة ، فأعطى شركاؤه حصصهم ، وعتق عليه العبد ، وإلا فقد عتق منه ما عتق " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فاستدل بعضهم باللفظة التي في حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار : يقوم بأعلى القيمة أن الباقي رقيق إلى أن يقوم ، وفي حديث آخر : أقيم ما بقي في ماله . ولو كان قد عتق بالقول الأول لم يكن لقوله : أقيم ما بقي في ماله معنى إذا لم يبق منه شيء . [ ص: 510 ]

                                                                                                                                                                              6925 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من أعتق شركا له في عبد أقيم ما بقي في ماله " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وفتيا عمر بن دينار والزهري يدل على أنهما كانا يريان حصة الذي لم يعتق رقيق على حال قبل التقويم .

                                                                                                                                                                              6926 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، وعمرو بن دينار في العبد يكون بين رجلين فيعتقه أحدهما ثم يعتقه الآخر بعد قالا : الميراث والولاء بينهما نصفان ، ولا ضمان عليه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وفي هذا الباب سوى هذه الأقاويل التي ذكرناها أقاويل : أحدها : أن الآخر الذي لم يعتق على حقه فيه ، وليس على العتق شيء سوى عتق ما أعتق منه إلا أن يكون الذي أعتق جارية نفيسة تغالى فيها ، فإذا كان ذلك فهو بمنزلة الجناية من المعتق للضرر الذي أدخله على شريكه ، هذا قول عثمان البتي ، وكان البتي يورث المعتق منه الشقص بقدر ما عتق ، ويقيم عليه من حد الحر بقدر ذلك ، ويجعل له من عمله وخدمته وكسبه بقدر ذلك ، وإن أصيب بجراحة خطأ فإن الأمر فيه كذلك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد روي عن طاوس أنه قال في رجل أعتق نصف عبد كان له قال : يعتق في عتقه ، ويرق في رقه . وروي عن ابن سيرين أنه قال في العبد يعتق منه الشقص ، قال : كان يقضى فيه بثلاث قضايا لا يحيف من قضى بواحدة منهن ، كان منهم من يعتقه من مال الذي [ ص: 511 ] أعتقه ، ومنهم من يستسعيه ، ومنهم من يعتقه من بيت المال . وبارك الله في ذلك الأمير .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية