الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الأخبار المثبتة أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه .

                                                                                                                                                                              6560 - أخبرنا محمد بن عبد الله ، قال : أخبرني ابن وهب ، قال : أخبرني ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لو يعطى الناس بدعواهم (ادعى) الناس دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه " .

                                                                                                                                                                              6561 - حدثنا إبراهيم بن إسحاق، قال : حدثنا هشام أبو الوليد ، قال : حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب ، عن علقمة بن وائل بن حجر ، عن أبيه قال : اختصم رجلان إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما : إن هذا وثب على أرض كانت لأبي في الجاهلية . وقال الآخر : أرضي وفي يدي . قال : "لك بينة ؟ " قال : لا . قال : "فيمينه " . قال : فإنه لا يبالي ما حلف عليه . قال : "ليس لك إلا ذلك " . [ ص: 11 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : أجمع أهل العلم على أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، ومعنى قوله : "البينة على المدعي " أي يستحق بها إلا أنها واجبة عليه يؤخذ بها ومعنى قوله : "اليمين على المدعى عليه " أي يبرأ بها إلا أنها واجبة يؤخذ بها على كل حال ، كما زعم بعض من أوجب على من لم يحلف إذا وجبت عليه اليمين الحبس .

                                                                                                                                                                              وفي هذا الخبر من البيان أن الحاكم يبدأ فيسأل المدعي البينة .

                                                                                                                                                                              وفي قوله للمدعي "ليس لك منه إلا ذلك " دليل على أن البراءة تقع له من دعوى صاحبه إذا حلف .

                                                                                                                                                                              وفي قوله في الخبر الذي ذكرناه قيل : هو رجل فاجر لا يبالي ما حلف عليه ، بيان على أن لا تباعة للخصم على خصمه فيما خاطبه به من مثل هذا وشبهه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فإذا تقدم الخصمان إلى الحاكم ، فادعى أحدهما على صاحبه شيئا نظر فيما يدعيه فإن كان ذلك معلوما سأل المدعى عليه عن [ ص: 12 ] ما ادعى فإن أقر به ، وسأل المدعي الحاكم إثبات ذلك في كتاب أثبته له ، وأشهد عليه ، أن يدفع إليه ما أقر له به أمره بدفعه إليه . فإن فعل برئ وإن امتنع أن يدفعه إليه وسأل حبسه . ففي قول أكثر أهل العلم يأمر بحبسه إلا أن يعلم الحاكم أنه [معدم ] لا مال له فلا يسعه حبسه لقول الله : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) .

                                                                                                                                                                              وإن أنكر المدعى عليه سأل الحاكم المدعي بينة تشهد له بما يدعي فإن أتاه بشاهدي عدل أو رجل وامرأتين يشهدان له بما ادعى استحق ما ادعى . ووجب على الحاكم أن يقضي له بحقه ، وإن ذكر أن لا بينة له وسأل استحلافه استحلفه له .

                                                                                                                                                                              فإن ادعى المشهود عليه بعد أن أقام المدعي البينة أنه قد قبض ذلك منه ، وسأل استحلافه أحلف على دعواه وأقر المدعى عليه بالخروج من المال وليس للحاكم استحلاف المدعى عليه حتى يسأله المدعي ذلك ، فإن كان المدعي جاهلا عرفه أن له أن يستحلفه ثم الأمر في يمينه أمر المدعي ، وإذا وقف المدعي عن استحلاف خصمه لم يجز للحاكم أن يستحلفه حتى يسأل ذلك المدعي . [ ص: 13 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية