الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ميراث الغرقى والقوم يموتون لا يدرى من مات قبل

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في توريث [الغرقى] والقوم يموتون ، لا يدرى من مات قبل .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : يورث بعضهم من بعض ، يروى هذا القول عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وإياس بن عبد .

                                                                                                                                                                              6897 - حدثنا موسى قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن رجاء - يعني - ابن حيوة ، عن قبيصة بن ذؤيب أن طاعونا وقع بالشام ، فكان أهل البيت يموتون جميعا ، فكتب عمر أن يورث الأعلى من الأسفل ، كان الميت يموت منهم وقد وضع يده على آخر مات إلى جنبه .

                                                                                                                                                                              6898 - حدثنا محمد بن علي قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : سقط بيت بالشام على قوم فقتلهم ، فورث عمر بعضهم من بعض .

                                                                                                                                                                              6899 - وحدثنا محمد قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا ابن أبي ليلى ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي أن قوما غرقوا في سفينة ، فورث علي بعضهم من بعض . [ ص: 497 ]

                                                                                                                                                                              6900 - حدثنا ابن صالح قال : حدثنا أبو موسى قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا قتادة ، عن خلاس أن عليا ورث امرأة من زوجها انهدم عليهم بيت ، لا يدرى أيهما مات قبل الآخر ، وورثه منها النصف ، وورثها منه الربع .

                                                                                                                                                                              6901 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا داود بن عمرو قال : حدثنا محمد بن مسلم ، عن عمرو - يعني ابن دينار - قال : سمعت أبا المنهال يقول : سمعت إياس بن عبد - صاحب النبي صلى الله عليه وسلم - يقول في قوم وقع عليهم البيت : أنه يرث بعضهم بعضا .

                                                                                                                                                                              6902 - حدثنا علي بن الحسن قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، عن حريش البجلي ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ، أنه ورث رجلا وابنه - أو أخوين - أصيبا بصفين ، لا يدرى أيهما مات قبل الآخر فورث أحدهما من الآخر .

                                                                                                                                                                              وممن رأى أن يورث بعضهم من بعض : عطاء بن أبي رباح ، وشريح ، والحسن ، وعبد الله بن عتبة ، وابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، وشريك ، ويحيى بن آدم ، وبه قال أحمد ، وإسحاق . وحكي عن أحمد أنه احتج بحديث إياس بن [عبد] أنه قال في قوم وقع عليهم [ ص: 498 ] البيت : أنه يرث بعضهم بعضا . وكان النخعي يقول في القوم يموتون جميعا لا يدرى أيهم مات قبل ، قال : يورث بعضهم من بعض . إذا كان أخوان ولهما أم أميت أحدهما فورثته أمه الثلث وما بقي فلأخيه ، ثم مات الآخر فترث أمه الثلث من ماله خاصة سوى ما ورث من أخيه الثلث ، وما بقي فلأخيه ثم [يموتان] جميعا فترث أمهما منهما الثلث وما بقي فللعصبة .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : يرث كل واحد منهم ورثته الأحياء ، ولا يورث بعضهم من بعض ، روي هذا القول عن زيد بن ثابت .

                                                                                                                                                                              6903 - حدثنا موسى قال : حدثنا منصور بن أبي مزاحم قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن خارجة ، أن زيد بن ثابت كان يفتي أنه من عمى موته من المتوارثين في المتالف : أن بعضهم لا يرث بعضا ، لا يرثون ولا يحجبون وارثا حيا .

                                                                                                                                                                              قال : وقال أبو الزناد : قضى به عمر بن عبد العزيز وأنا حاضر برأي النفر الذين كان يستشيرهم . [ ص: 499 ]

                                                                                                                                                                              6904 - حدثنا إسحاق قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا عباد بن كثير ، عن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد ، عن زيد بن ثابت ، أنه ورث الأحياء من الأموات ، ولم يورث الموتى بعضهم من بعض ، وكان ذلك يوم الحرة .

                                                                                                                                                                              6905 - وأخبرنا أيضا ، عن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد ، أن أبا بكر قضى في أهل اليمامة مثل قول زيد بن ثابت ، ورث الأحياء من الأموات ، ولم يورث الأموات بعضهم من بعض .

                                                                                                                                                                              وبه قال عمر بن عبد العزيز ، وقال الزهري : مضت السنة بذلك ، وكذلك قال مالك بن أنس ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي . واختلف في هذه المسألة عن سفيان الثوري فحكي عنه القولين جميعا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وتفسير قول من لا يورث بعضهم من بعض : أخوين غرقا ولأحدهما ابن وللآخر ابنة : لأن للابن جميع ما خلف أبوه ، ولابنة الآخر النصف ، وما بقي فلابن الأخ .

                                                                                                                                                                              وتفسير قول من ورث بعضهم من بعض : كأن أخوين ماتا ، وأحدهما مولى لبني هلال ، والآخر مولى لبني سليم ، وخلف الهلالي عشرة دنانير ، وخلف السلمي مائة درهم ، فأميت الهلالي فتصير الدنانير التي تركها [ ص: 500 ] للسلمي ، ثم يميت السلمي فتصير الدراهم التي تركها لأخيه الهلالي ، ثم يميتهما فيورث كل واحد منهما ورثته الأحياء ، فتكون الدنانير التي تركها الهلالي لموالي السلمي ، والدراهم التي تركها السلمي لموالي الهلالي .

                                                                                                                                                                              وفي القول الآخر وهو قول من لا يورث بعضهم من بعض ، تكون الدنانير التي خلفها الهلالي لمواليه من بني هلال ، والدراهم التي تركها السلمي لمواليه من بني سليم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد احتج بعض من رأى أن يورث الأحياء من الأموات ، ولا يورث الأموات بعضهم من بعض ، فإن قال : قد علمنا أن القوم قد ماتوا جميعا ، وأن الأحياء ورثتهم ، ولا نعلم يقينا أن بعضهم قد مات قبل بعض إذ أمكن أن يكونوا ماتوا معا ، فإذا ورثنا بعضهم من بعض ، فقد علمنا أنا قد ورثنا من لا ميراث له ، ومنعنا من له الميراث; لأن الأخوين إذا غرقا جميعا فقد علما أنهما قد ماتا ، ومحال أن يكون قد مات هذا قبل ذاك ومات ذاك قبل هذا ، إلا أن أحدهما إذا مات ثم مات الآخر بعده استحال أن يعود بعد حين ، ثم يموت الذي كان مات في المرة الأولى قبل صاحبه بعده ، ويموت الآخر قبله ، فلما استحال كون ذلك بطل الحكم به ، ولا نعلم في شيء من الأحكام المجمع عليها إمضاء الحكم لأحد بشيء يحيط العلم بأن ذلك لا يجب له ، ونحن لو استعملنا ما قال من خالفنا من توريث بعضهم من بعض ، أحطنا علما بأنا قد ورثنا أحدهما من صاحبه ولا ميراث له ، فلما لم يكن الحكم بهذا منصوصا في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله ، ولا اجتمع أهل العلم عليه بطل الحكم به . [ ص: 501 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية