الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الحكم في الرجلين بينهما العبد يعتق أحدهما نصيبه منه وهو معسر

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الشريكين في العبد يعتق أحدهما نصيبه منه وهو معسر .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : لا يجب على المعسر في نصيب صاحبه شيء ، ولا يعتق من العبد إلا ما أعتق ، ولا سعاية على العبد ، لأنه لم يجن ولم يتعد ولم يضمن ضمانا يجب أن يؤخذ به ، ولا يجوز إيجاب فرض إلا بكتاب أو سنة أو إجماع ، وليس فيمن أوجب على العبد السعاية خبر يثبت ، ولا حجة يجب القول بها ، بل الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على ما قلنا ، وعلى خلاف قول من خالفنا ، هذا قول مالك بن أنس فيمن وافقه من أهل الحجاز ، وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد .

                                                                                                                                                                              6929 - حدثنا موسى بن هارون قال : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو أسامة ، وابن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن كان موسرا ضمن ، وإن كان معسرا عتق منه ما عتق " . [ ص: 514 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : إذا أعتق أحد الشريكين العبد صار العبد كله حرا ، فإن كان موسرا ضمن حصة شريكه في ماله ، وإن كان معسرا سعى العبد في حصة شريكه حتى يؤدي قيمته ، هذا قول سفيان الثوري ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة .

                                                                                                                                                                              ثم اختلفوا في رجوع العبد بما يسعى فيه عليه إذا أيسر فأوجب ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة للعبد الرجوع بما سعى فيه على المعتق قالا : لأن المعتق هو الجاني المستهلك لحصة شريكه بعتقه حصته ، فلزمه الضمان موسرا كان أو معسرا غير أنه كان معسرا سعى العبد حتى يؤدي إلى الشريك الذي لم يعتق قيمة حصته ، ثم يرجع به على المعتق ، لأنه إنما أدى عنه ما لزمه ضمانه بالجناية التي جناها .

                                                                                                                                                                              وأما سفيان الثوري فإنه قال : يضمن المعتق نصيب الآخر إن كان له وفاء لنصيب الآخر ، فإن لم يكن له وفاء من نصيب الآخر فلا ضمان عليه ، فإن ضمن كان له الولاء ، فإن لم يكن له وفاء سعى العبد في نصف قيمته ، والولاء لمن أعتق . الأشجعي عنه . حكى الفريابي عنه أنه قال : إذا كان موسرا يوم يعتق وقع الضمان عليه ، فإن أفلس قبل أن يؤدي لم ينتقل الضمان على العبد هو شيء قد (كان) عليه ولا يتحول ، [ ص: 515 ] وإذا كان الذي أعتق مفلسا . ومحمد إذا كان المعتق موسرا ضمن نصف قيمته وإن كان معسرا سعى العبد لشريكه وكان الولاء للأول .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد احتج بعض أهل الكوفة لإيجابهم السعاية على العبد بخبر قد تكلم غير واحد من أهل العلم في بعض متنه الذي احتجوا به ، وجعله بعضهم من فتيا قتادة .

                                                                                                                                                                              6930 - حدثنا علي بن الحسن قال : حدثنا المقرئ قال : حدثنا همام ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن رجل ، عن أبي هريرة أن رجلا أعتق شركا له في مملوك فغرمه النبي صلى الله عليه وسلم بقية ثمنه قال همام : فكان قتادة يقول : إذا لم يكن له مال استسعى .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فقد خبر همام أن ذكر السعاية من قول قتادة ، وألحق سعيد بن أبي عروبة الكلام الذي ميزه همام من قول قتادة فجعله متصلا بحديث النبي عليه السلام ، وليس في الباب أثبت من حديث ابن عمر ، وهو يدل على إبطال السعاية . [ ص: 516 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد اختلف في ميراث من نصفه عبد ونصفه حر .

                                                                                                                                                                              ففيما رويناه عن علي في باب ذكر ميراث المكاتب أنه قال : يرث بقدر ما أدى ، ويحجب بقدر ما أدى ، فإذا مات رجل وترك ابنا نصفه حر ، ونصفه مملوك ، ولا وارث له غيره ، ورث على هذا القول نصف ميراث ابن ، لأنه لو كان حرا ورث جميع المال ، ولو كان مملوكا لم يرث شيئا فله نصف الميراث ، وإن قذف جلد قاذفه نصف الحد ، وإن قذف حرا جلد ثلاثة أرباع حد الحر ، وكذلك إن زنى جلد ثلاثة أرباع حد الحر خمسة وسبعين سوطا ، ثم على هذا الحساب ، وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المكاتب : "يؤدي بقدر ما عتق منه مثل دية الحر ، وقدر ما رق دية العبد " وهذا شبيه بما قال الشعبي في ميراث الخنثى : يورث نصف ميراث ذكر ، ونصف ميراث أنثى . وروي عن الشعبي أنه سئل عن عبد أعتق نصفه ثم فجر قال : يضرب خمسة وسبعين . [ ص: 517 ]

                                                                                                                                                                              وقال ابن جريج : سألت عطاء عن عبد بين رجلين أعتق أحدهما شطره وأمسك الآخر ثم مات قال : ميراثه شطران بينهما ، وقالها عمرو بن دينار ، وكذلك روي عن طاوس ، وكان مالك يقول في المعتق نصفه : إن ماله يكون موقوفا بيده يأكل فيه بالمعروف ويكتسي ، فإن مات كان للذي فيه الرق ما ترك كله . وإن جرح العبد الذي نصفه حر رجلا فنصف العقل على الذي له فيه الرق إلا أن يسلمه ونصفه على العبد يتبعه به .

                                                                                                                                                                              قال مالك : فإن جرح العبد كان عقله كله للذي فيه الرق ، وقال مالك : لا ينكح المعتق بعضه إلا بإذن سيده ، ولا ينكحه سيده إلا بإذنه .

                                                                                                                                                                              وقد احتج بعض من ذهب مذهب المدنيين ممن يقول : إن أحكام هذا المعتق نصفه أحكام العبيد ، بأن الله حكم على العبيد بأحكام ، وعلى الأحرار بأحكام ، ولم نجد لله حكما ثالثا ، فلم يجز أن يوجب على هذا المعتق نصفه إلا أحد هذين الحكمين ، فأوجبنا عليه الأقل; لأن ذلك يلزم بالإجماع ، وأسقطنا عنه ما زاد على ذلك للاختلاف ، وقد كانت أحكام العبيد لازمة له قبل أن يعتق بعضه ، فلما عتق بعضه اختلفوا في زوال تلك الأحكام عنه فلا يجوز إزالة تلك الأحكام عنه حتى يجمعوا أو تدل سنة على ذلك ، وكان الشافعي يقول : المعتق [ ص: 518 ] بعضه يورث ولا يرث ، وادعى الإجماع على أنه لا يرث ، وحكى بعض أهل العراق أنه قال : لا يرث ولا يورث ، وكان أبو ثور يميل إلى معنى قول علي أنه يرث ويورث بقدر ما فيه الحرية ، وكان أحمد بن حنبل يقول : إذا كان المعتق معسرا ، فقد عتق منه ما عتق ، وهو في باقيه رقيق ، الميراث بينهما . وبقي قولان شاذان في هذا الباب هما مذكوران في الكتاب . [ ص: 519 ]

                                                                                                                                                                              [ ص: 520 ] [ ص: 521 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية