الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ميراث ابن الملاعنة

                                                                                                                                                                              ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرق بين المتلاعنين وألحق الولد بالمرأة . [ ص: 457 ]

                                                                                                                                                                              6851 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن ابن وهب أخبرهم ، وأخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رجلا لاعن امرأته في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وألحق الولد بالمرأة .

                                                                                                                                                                              6852 - حدثنا إسحاق قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني ابن شهاب عن الملاعنة ، وعن السنة فيها ، (عن) حديث سهل بن سعد أخي بني ساعدة ، أن رجلا من الأنصار جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا (أيقتله) فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فأنزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قد قضى الله فيك وفي امرأتك " . قال : فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد ، فلما فرغا قال : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم حين فرغا من التلاعن ، ففارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ذلك التفريق بين كل متلاعنين " .

                                                                                                                                                                              قال ابن شهاب : فكانت السنة بعد أن يفرق بين المتلاعنين . ، وكانت حاملا فأنكره ، وكان ابنها يدعى لأمه . [ ص: 458 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : لما ألحق النبي صلى الله عليه وسلم ابن الملاعنة بأمه ، ونفاه عن أبيه ثبت ألا عصبة له ولا وارث من قبل أبيه . وأجمع أهل العلم أن ابن الملاعنة إذا توفي وخلف أمه وزوجته ، وأولادا ذكورا وإناثا أن ماله مقسوم بينهم على قدر مواريثهم ، فإن ترك ورثة يستحقون بعض المال ولا يستوعبون جميع المال ففي ذلك اختلاف .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : يكون ما فضل عن أصحاب الفرائض لعصبة أمه . روي هذا القول عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وعطاء ، والنخعي ، والحسن ، وقال الشعبي : يرثه أقرب الناس إلى أمه ، وقال الحكم ، وحماد : يرثه من يرث أمه .

                                                                                                                                                                              6853 - حدثني أبو بكر بن إسماعيل قال : حدثنا زياد بن أيوب قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، عن ابن أبي ليلى ، عن الشعبي ، عن علي ، وعبد الله قالا : ابن الملاعنة عصبته عصبة أمه .

                                                                                                                                                                              6854 - حدثنا محمد بن علي قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن محمد بن سالم ، عن الشعبي ، عن علي وابن مسعود قالا : ولد الملاعنة أمه عصبة ، فإن لم يكن له أم فعصبتها عصبته ، وولد الزنا بمنزلته . [ ص: 459 ]

                                                                                                                                                                              6855 - حدثنا موسى قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : ابن الملاعنة عصبته عصبة أمه يرثهم ويرثونه .

                                                                                                                                                                              6856 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا أبو عمر قال : حدثنا همام قال : نا قتادة ، عن [عزرة] ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ولد الملاعنة هو الذي لا أب له ترثه أمه ، ويرثه إخوته من أمه ، ويرثه عصبة أمه ، وإن قذفه قاذف جلد قاذفه .

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : إذا ترك ابنته ، وخالته ، ليس للخالة شيء ، ما بقي عن البنت لعصبة أمه .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل : يرثه عصبته ، وعصبته أمه .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : يقسم ماله بين أصحاب الفرائض ، فإن فضل من ذلك فضل كان ذلك لأمه . [ ص: 460 ]

                                                                                                                                                                              روي ذلك عن ابن مسعود أنه قال : الأم عصبة من لا عصبة له . وعن ابن عمر أنه قال : أمه عصبته يرثها وترثه .

                                                                                                                                                                              6857 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن موسى بن عبيدة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : ابن الملاعنة يدعى لأمه ، وأمه عصبته يرثها وترثه ، قال سفيان : يقول المال كله .

                                                                                                                                                                              6858 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، أن ابن مسعود قال : ميراث ولد الملاعنة كله لأمه .

                                                                                                                                                                              6859 - ومن حديث يحيى بن عبد الله قال : أخبرنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود قال : الأم عصبة من لا عصبة له .

                                                                                                                                                                              وروينا عن مكحول أنه قال : ابن الملاعنة ترث أمه ميراثه كله . وعن الشعبي : يرث ابن الملاعنة أمه فإذا [مات] ورثه من كان يرث أمه .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : إن كانت أمه مولاة كان ما بقي لمواليها ، وإن كانت عربية كان ما بقي لبيت المال . هذا قول الزهري ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وأبو ثور . قال مالك : وذلك الأمر الذي لا اختلاف فيه ، والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا . [ ص: 461 ]

                                                                                                                                                                              وروي عن زيد بن ثابت أنه قال : لأمه الثلث ، ولأخيه السدس ، وما بقي فلبيت المال .

                                                                                                                                                                              قال أصحاب الرأي : ميراث ابن الملاعنة كميراث غيره ممن يموت ولا عصبة له من قبل أبيه ولا قرابة ، فإن مات وترك أصحاب فرائض وقرابات من قبل أمه قال : فيعطى أصحاب الفرائض فرائضهم ، ويرد ما فضل عنهم عليهم على قدر سهامهم إذا كانوا من ذوي الأرحام . قالوا : فإن لم يترك ابن الملاعنة وارثا ذا سهم ، وترك قرابات من قبل أمه ليسوا أصحاب فرائض ، فإنهم يورثون كما يورث ذوو الأرحام في غير باب ابن الملاعنة ، ولا يكون عصبة أمه عصبة له; لأن العصبات إنما هو من قبل الأب لا من قبل الأم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية