الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر استحلاف أهل الكتاب

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : دخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم : "واليمين على المدعى عليه " المسلمون وأهل الكتاب ، الرجال والنساء ، الأحرار والعبيد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين مسلم وذمي في ذلك ، واختلفوا في المواضع التي يستحلف فيها أهل الكتاب وفي كيفية أيمانهم . فقالت طائفة : يستحلفون بالله ، هذا قول مسروق ، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وعطاء بن أبي رباح ، والحسن البصري ، وإبراهيم النخعي وشريح، وكعب بن سور ، وبه قال مالك والثوري ، وأبو عبيد غير أن كعب بن سور قال : اذهبوا به إلى المذبح واجعلوا التوراة في حجره ، والإنجيل على رأسه . وقال النخعي : يغلظ عليهم بدينهم ، وقال شريح: أدخلوه الكنيسة واستحلفوه حيث ذكره ، وقال مالك : يحلف النصراني حيث يعظم من الكنائس وغيرها .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : روينا عن شريح أنه كان يستحلف أهل الكتاب بدينهم . وروينا عن الشعبي أن نصرانيا قال له : أحلف بالله . فقال الشعبي : لا يا خبيث ، قد فرطت في الله ولكن اذهب إلى البيعة واستحلفه فاستحلفه بما يستحلف به مثله . وقال كعب بن سور في يهودي : أدخلوه الكنيسة ، وضعوا التوراة على رأسه ، واستحلفوه بالذي أنزل .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : ويحلف الذميون في بيعهم وحيث يعظمون . وقال [ ص: 16 ] أصحاب الرأي : يحلف النصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، ويحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، وغيرهم من أهل الشرك يحلفهم بالله . والمرأة ، والعبد ، والمكاتب ، والمدبر ، والحر سواء . وقال محمد : أستحلف المجوسي بالله الذي خلق النار ولا أستحلفه ببيت النار إنما أستحلفه عند القاضي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : أمر الله - جل ثناؤه - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين أهل الكتاب بالقسط والذي يجب أن يستحلف أهل الكتاب بما يستحلف به أهل الإسلام ، ولا نعلم حجة توجب أن يستحلفوا في مكان بعينه ولا يمين غير اليمين التي يستحلف بها المسلمون .

                                                                                                                                                                              6563 - حدثنا علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي قال : خرج رجل من خثعم فقبض بدقوقا فلم يجد من يشهد على وصيته إلا رجلين من النصارى فأشهدهما على وصيته ، ثم قدما الكوفة فأحلفهما أبو موسى بعد صلاة العصر في مسجد الكوفة بالله الذي لا إله إلا هو ، ما خانا ولا كتما ولا بدلا وإن هذه لوصيته ، ثم أجاز شهادتهما .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقال محمد : من قال يستحلف أهل الكتاب مما يعلمون مع اليمين بالله من خبر جابر بن عبد الله حجة يحتج بها إن ثبت خبر جابر . [ ص: 17 ]

                                                                                                                                                                              6564 - حدثنا عبد الله بن أحمد قال : حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا مجالد بن سعيد الهمداني ، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال : زنى رجل من أهل فدك ، فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود أن سلوا محمدا عن ذلك . . فذكر بعض الحديث قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صوريا ولآخر : "أنتما أعلم من قبلكما " . فقالا : قد نحانا لذلك قومنا . فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : "أليس عندكما التوراة فيها حكم الله " قالا : بلى . قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أنشدكم بالله الذي فلق البحر لبني إسرائيل ، وظلل عليكم الغمام ، وأنجاكم من آل فرعون ، وأنزل التوراة على موسى ، وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل ما تجدون في التوراة من شأن الرجم . . " وذكر الحديث .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فإن ثبت خبر جابر ففيه حجة لمن قال : يغلظ عليهم في الإيمان مما يعظمون كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالرجلين . [ ص: 18 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية