الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مسائل من هذا الباب

                                                                                                                                                                              كان الشافعي يقول : ولو أتى قوم بشاهد أن لأبيهم على فلان حقا ، أو أن فلانا قد أوصى لهم . فمن حلف منهم مع شاهده استحق مورثه أو وصيته دون من لم يحلف ، وإن كان فيهم مغلوب وقف حقه حتى يعقل فيحلف أو يموت فيقوم وارثه مقامه فيحلف ويستحق ، ولا يستحق [ ص: 61 ] أخ بيمين أخيه ، وليس الغريم ولا الموصي له في معنى الوارث في شيء ، وإن كانوا أولى بمال من عليه الدين فليس من وجه أنهم يقومون مقامه ، وإذا حلف الورثة والغرماء بحق بمال الميت . ولو أقام شاهدا أنه سرق متاعا من حرز يسوى ما يقطع فيه اليد أحلف مع شاهده واستحق ولا يقطع فيه ؛ لأن الحد ليس بمال . كرجل قال : امرأتي طالق ، وعبدي حر إن كنت غصبت فلانا هذا العبد فشهد عليه بغصبه شاهد ، فيحلف ويستحق الغصب (وليس) عليه طلاق ولا عتق ؛ لأن حكم الحنث غير حكم المال . ولو أقام شاهدا أن أباه تصدق بهذه الدار عليه وعلى أخوين له صدقة محرمة ، فإذا انقرضوا فعلى أولادهم أو على المساكين ، فمن حلف منهم ثبت حقه وصار ما بقي ميراثا فإن حلفوا معا خرجت الدار من ملك صاحبها إلى من جعل له حياته ومضى (الحق) فيها لهم ، فإن جاء بعدهم ممن وقفت عليه إذا ماتوا قام مقام الوارث ، وإن لم يحلف إلا واحد فنصيبه منها وهو الثلث صدقة كما شهد به شاهده ثم [ ص: 62 ] نصيبه على من تصدق به أبوه عليه بعده وبعد (إخوته) .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : قدم الشافعي فيما يستحق باليمين مع الشاهد مثالا لا يجوز معه أن يحلف المتصدق عليه مع شاهده فيستحق الصدقة . قال الشافعي : وإذ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد في الأموال ، وكان في ذلك تحويل ملك مال إلى ملك غيره حتى يصير المقضي له يملك المال الذي كان في يدي المقضي عليه بوجه من الوجوه التي تملك بها الأموال .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : والذي بيده المال قبل أن يحلف المدعي مع شاهده يتصرف فيه تصرف المالكين ببيع ذلك ويتصدق ويعطي ، والمستحق منفعة المال باليمين مع الشاهد لا يتصدق فيما يقبضه كتصرف المالكين ؛ لأن من تصدق عليه بصدقة محرمة ممنوع من بيع ذلك ومن هبته ، والصدقة به ، وإعطائه غيره ، وإنما يملك منفعته حياته ، فإذا مات فإن ذلك لغيره ممن جعل عليه ذلك لا يورث عنه كما يورث عنه ماله ، ولا يجوز على المثال الذي قدمه الشافعي في استحقاق الصدقات المحرمات باليمين مع الشاهد ، وقد شبه في كتاب الحبوس الصدقة المحرمة بالعبد يعتق ، يريد أن الصدقة المحرمة تتم بالكلام دون القبض ، كما يتم العتق بالقول دون أن يقبضه قابض ، فمن حيث منع أن يستحق العبد أن يكون حرا باليمين مع الشاهد ، يجب منع الذي ادعى [ ص: 63 ] الصدقة أن يستحقها باليمين مع الشاهد . قال الشافعي : ولو أقام شاهدا على رجل في يديه عبد يسترقه أنه كان عبدا له فأعتقه ، ثم غصبه إياه بعد العتق حلف ، وكان مولى له .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا على المثال الذي قدم غير جائز أن يستحق أن يكون مولاه باليمين مع الشاهد ، لأنه ليس بمال يستحق ، ولا ملك محول يقوم الذي انتقل إليه مقام الذي نقل عنه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : الذي يعتمد عليه كثير من أصحابنا في إثباتهم القول باليمين مع الشاهد ، إنما هو خبر أبي هريرة وخبر ابن عباس ، وقد أثبت في الكتاب الذي اختصرت هذا الكتاب منه حججا احتج بها الشافعي وغيره من أصحابنا على من خالفهم من أهل الكوفة ، تركت ذكرها ها هنا كراهة أن يطول الكتاب ، وكان مالك والشافعي يقولان : وإذا أقام العبد شاهدا أن مولاه أعتقه لم يحلف مع شاهده ، ولا يستحق العبد الحرية إلا بشاهدين ، وكان مالك يقول في الشهادة في الولاء : لا أرى أن نجوزها ولا موالي له ولا أخت له ، وأرى أن يعطى المال بالشاهد الواحد ، وإن طال ذلك واستوفى به وإن لم يجئ له ، قال : فأرى أن يحلف ويأخذ المالك ولا يجر بذلك ولاء . [ ص: 64 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولا يثبت الولاء بشاهد ويمين في قول الشافعي وإذا لم يثبت الولاء لم يجب المال . ولم يحلف مع الشاهد في قول مالك والشافعي وغيرهما الغلام الذي لم يبلغ ، ويحلف النصراني مع الشاهد الواحد في قولهما ، وقول أحمد بن حنبل ، ويستحق المال وتحلف المرأة المسلمة في قولهما مع شاهدها وتأخذ المال . واختلفا في العبد يأمره السيد بأن يدفع مالا من دين عليه إلى رجل فدفعه بشاهد عدل فقال مالك : يحلف العبد ويبرأ السيد . وفي قول الشافعي : لا يحلف العبد ، ويحلف الذي أنكر ، وعلى سيد العبد أن يقضي الدين ، وكان الشافعي يرى أن يستحق المدعي أرش الجناية في جراح الخطأ بيمين وشاهد . [ ص: 65 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية