الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر إقرار الرجل بالصبي أنه ولد غيره ثم يدعيه هو بعد

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت الأمة في يد رجل فولدت غلاما ، فأقر المولى الذي له الأمة أن هذا الولد من زوج زوجها إياه كان حرا أو عبدا ، وأقر الزوج بذلك [أو ] أنكر أو لم يقر ولم ينكر أو كان غائبا ، ثم إن المولى ادعى الولد أنه ابنه بعد ذلك فإن دعوته باطل ولا يثبت نسبه ، وذلك لأنه قد أقر أنه ابن لغيره بتزويج فلا تقبل دعوته بعد ذلك ، أقر الذي نسبه إليه أو أنكر ولا يشبه هذا ابن الملاعنة ، [ ص: 193 ] وذلك أن المرأة امرأة الرجل وهي فراش له ، فلما قذفها برجل لم يكن الولد [ملحقا ] بالذي رماها به ، لأنه وطئ ما لا يلحق به النسب وهو للفراش ، فلما حكم الله فيه باللعان فألحق النبي صلى الله عليه وسلم الولد بالأم إذا التعن الرجل ، ثم أقر الرجل بعد ذلك أنه كذب فيما رماها به ، وأن الولد ولده لحقه الولد ، وذلك أنه ولد على فراشه فهو له والأمة أقر أنها ولدت على فراش رجل بنكاح صحيح فلا يشبه النكاح الصحيح بالزنا الذي قد يكون الرامي للمرأة به كاذبا أو صادقا ، وحكى أبو ثور عن النعمان أنه قال : يعتق عليه ولا يثبت نسبه منه . وقال يعقوب ومحمد كذلك إلا في خصلة واحدة : إن أنكر الأب الأول أن يكون ابنه كان ابن الآخر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت أمة في يد رجل يملكها فولدت غلاما ، فأقر رجل ليس منها بسبيل أن هذا الولد ولد المولى ، وجحد المولى ذلك ، ثم إن الرجل الشاهد اشترى الغلام أو ورثه ، فادعى أنه ابنه لم يصدق على ذلك ، ولا يثبت نسبه منه ولا يعتق عليه من طريق النسب إلا أن يقر أنه حر عتق عليه من قبل أنه قد أقر أنه ابن مولى الأم ، وأنه حر الأصل ، وذلك أن الرجل إذا أولد أمته فولدها حر ، فلما شهد بذلك على المولى فقد زعم أن هذا الولد حر فلما اشتراه عتق عليه ، لأنه يشهد أنه حر ، وكذلك إن ورثه أيضا كان حرا ولا يملكه . وقال النعمان : يعتق ولا يثبت نسبه منه ، لأنه شهد أنه ابن المولى الأول . [ ص: 194 ]

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور والنعمان : إذا شهد رجلان على صبي من امرأة حرة أنه ابنها وابن هذا الرجل ، وأن هذا الرجل زوجها ، وادعته تلك المرأة وجحد الرجل فسأل القاضي عن الشهود فلم يزكوا فرد شهادتهم ، ثم إن أحد الشاهدين ادعى أنه ابنه فصدقته المرأة ، فإن دعوته باطل لا تجوز ، وذلك أنه قد شهد أنه ابن غيره فلا يقبل ، وقال يعقوب ومحمد : دعواه جائزة وهو ابنه .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا شهدت امرأة على صبي أنه ابن هذه المرأة ، فادعت المرأة ذلك ، فسأل القاضي عن الشاهدة فلم تعدل فرد شهادتها ، ثم إن الشاهدة ادعت أن هذا الغلام ابنها ، وأقامت على ذلك شاهدين لم يقبل ذلك ، لأنها كذبت شهادتهما لما شهدت أن الصبي ابن غيرها ، وبه قال أصحاب الرأي ، وكذلك نقول .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور وأصحاب الرأي : ولو كبر الصبي فادعى أن الشاهدة أمه ، وأقام على ذلك شاهدين قبل شهادتهما ، وثبت نسبه منها وكانت أمه ، وهذا حق للصبي يجب أن يحكم به عليها وإن جحدت .

                                                                                                                                                                              وقالوا جميعا : وإذا ادعى الرجل الصبي وشهد له شاهد أنه ابنه وأم الصبي تنكر ذلك ، ولم يقض القاضي بشهادة واحد ، ثم إن الشاهد ادعى أن الصبي ابنه وأن المرأة امرأته ، وأقام على ذلك شاهدين ، والمرأة تنكر فإن شهادتهما لا تجوز ، لأنه كذبهم ، ولو أن المرأة ادعت أنه زوجها ، وأن هذا ابنه منها وأقامت على ذلك شاهدين قبلت ذلك منها ، وألزمت الولد الرجل وجعلته ابنه . [ ص: 195 ]

                                                                                                                                                                              وقالوا جميعا : لو أن رجلين ادعيا صبيا في يد امرأة ، وكل واحد منهما يقول : هو ابني ويدعي أنه تزوج هذه المرأة ، والمرأة تنكر ذلك ، ثم إن المرأة ادعت على رجل آخر أنه تزوجها وأنه أبو هذا الصبي ، وشهد لها الرجلان المدعيان بالصبي على ذلك لم تقبل شهادتهما ، وذلك أن كل واحد منهما قد ادعى الصبي فلا يجوز شهادة من يقر على نفسه بالكذب .

                                                                                                                                                                              وقالوا جميعا : إذا كان الصبي في يد امرأة ، فأقر رجل أنه ابن فلان وشهد على ذلك فرد القاضي شهادته ، ثم شهد هو وآخر أنه ابن رجل آخر لم تقبل شهادته ، لأنه شهد شهادتين تنقض إحداهما الأخرى .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور والنعمان ويعقوب ومحمد : إذا كانت الأمة لرجل وكانت حاملا فقال : إن ولدت غلاما [فهو ] مني ، وإن ولدت جارية فهي من زوج [زوجتها إياه ] فولدت غلاما أو جارية أو ولدتهما جميعا فإنهما ولده ، وذلك أنه قد أقر بالوطء وهي في ملكه .

                                                                                                                                                                              وقالوا : إذا كانت أمة لرجل فأقر أنه زوجها من رجل وهو غائب وهو حي لم يمت ، ثم جاءت بولد لستة أشهر منذ قال ما قال ، فادعاه المولى فإنه لا يصدق على ذلك ، لأنه قد أقر أنها امرأة لغيره .

                                                                                                                                                                              وقالوا جميعا : إذا كانت أمة بين رجلين فجاءت بولد ، فأقر أحدهما أنه من صاحبه ، وقال الآخر إنه من صاحبه فمن ادعاه منهما بعد ذلك لم [ ص: 196 ] يصدق على دعواه ولا تباع وتكون بمنزلة أم الولد ، وأيهما مات عتقت عليه ، وذلك أن كل واحد منهما يزعم أنها قد صارت أم ولد لصاحبه ، وليس لواحد منهما أن يطأها .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية