ذكر شهادة الأعمى  
واختلفوا في شهادة الأعمى . 
فقالت طائفة : شهادته جائزة . كذلك قال  محمد بن سيرين ،   والشعبي   والزهري ،   وعطاء بن أبي رباح   . وسئل القاسم بن محمد  عن شهادة الأعمى : هل تجوز شهادته ويؤم ؟ قال : وما يمنعه من ذلك . 
وقال  مالك بن أنس   وابن أبي ليلى   : شهادته جائزة . واحتج  مالك  بأن الناس إنما حفظوا عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما حفظوا عنهن من وراء حجاب قال : وقد كان  ابن أم مكتوم  أعمى إماما مؤذنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أثبت الأعمى وعرف جازت شهادته . 
قال  مالك   : وكذلك الرجل إذا شهد على المرأة من وراء سترة  ، وقد عرفها وعرف صوتها وأثبتها قبل ذلك ، فشهادته جائزة عليها ،  [ ص: 265 ] واحتج له بعض أصحابه فقال : الشهادة موكلة إلى معرفة لمن شهد عليه ، وأمانته على ذلك ، والبصير يعرف الناس بالرؤية ويستيقن ذلك ، والضرير يعرف الصوت ويستيقن على ذلك ، وهما مؤتمنان على تيقنهما ، وقد يشهد على البصير على الشخص فتقبل شهادته ، والشخص قد يشبه الصوت ، فإن زعم من يخالفنا أن الضرير لا يستيقن على معرفة صوت الإنسان ، فإنه لا ينبغي له أن يجيز له أن يروي عن محدث ، ولا ينبغي له أن يغشى زوجته ولا أمته إذا كان لا يستيقن أنهما هما بأعيانهما ، فإن زعم أنه يجوز له ذلك ، لأنه قد يستيقن على زوجته وأمته قيل له : فما تقول إن شهد على زوجته بشهادة ، فإن زعم أنها جائزة عليها فقد زعم أنه يستيقن على من يعرف ، وإن زعم أنه لا يجوز ذلك ، لأنه لا يستبينها فكيف يجوز أن يغشى امرأة لا يدري أهي امرأته أم لا ؟ وإنما تجوز شهادة الأعمى على الإقرار دون أفعال الأبدان من الزنا والسرقة وغير ذلك . 
 6701  - حدثنا  علي بن عبد العزيز،  عن أبي عبيد  قال : حدثنا أبو الأسود  عن  ابن لهيعة ،  عن  عبد الرحمن بن حسان ،  عن عكرمة ،  عن  ابن عباس  أنه قال : قدموا العبد إذا كان صالحا ، وأشهدوا الأعمى . 
وأبطلت طائفة شهادة الأعمى  ، وممن قال : لا تجوز شهادة الأعمى :  إبراهيم النخعي ،  وأبو هاشم ،   والشافعي،  والنعمان   . 
واختلف فيه عن  الحسن البصري ،  فحكى الأشعث  عنه أنه قال : شهادة الأعمى جائزة ، وحكى يونس  وعمرو  عنه أنه قال : لا تجوز  [ ص: 266 ] شهادته . واختلف فيه عن  إياس بن معاوية ،  فذكر  أيوب أبو العلاء  أن  قتادة  شهد عند  إياس بن معاوية  فأجاز شهادته وقال : لا تشهد بعدها ، ولولا معرفتي بك لم أجز شهادتك . 
وذكر  وكيع ،  عن سفيان  أن  قتادة  شهد عند  إياس بن معاوية  وهو أعمى فرد شهادته . 
واختلف فيه عن  ابن أبي ليلى  فحكى أبو عبيد  عنه أنه قال : إذا شهد عليها بصيرا ، ثم أقامها أعمى جازت شهادته ، إذا كانت الشهادة مما لا يحتاج أن يقف عليها . 
وحكى  الشافعي  عنه أنه قال : شهادته جائزة ، وحكى  وكيع  عنه كحكاية  الشافعي،  وقال  الشافعي   : إذا رأى فأثبت وهو بصير ، ثم شهد وهو أعمى [قبلت شهادته ؛ لأن الشهادة إنما وقعت وهو بصير ، إلا أنه بين وهو أعمى عن شيء وهو بصير ، ولا علة في رد شهادته ، فإذا أشهد وهو أعمى ] على شيء . قال : أثبته كما أثبت كل شيء بالصوت أو الحس فلا تجوز شهادته ؛ لأن الصوت يشبه الصوت ، والحس يشبه الحس . قال : فأما إصابة الأعمى أهله وجاريته ، فذلك أمر لا يشبه الشهادات ؛ لأن الأعمى وإن لم يكن يعرف امرأته معرفة البصير ، فقد يعرفها معرفة يكتفى بها ، وتعرفه هي معرفة البصير ، وقد يصيب البصير امرأته في الظلمة على معنى معرفة مضجعها ومجستها ، ولا يجوز أن يشهد على أحد في الظلمة على معرفة لمجسه والمضجع ، وقد يوجد من شهادة الأعمى  بد ؛ لأن أكثر الناس غير  [ ص: 267 ] عمي . فأما  عائشة  ومن روى عنها الحديث ، فالحديث إنما قبل على صدق المخبر ، وعلى الأغلب على القلب ، وليس من الشهادات بسبيل ، ألا ترى أنا نقبل في الحديث حدثني فلان عن فلان ولا نقبل في الشهادة حدثني فلان عن فلان حتى يقول : أشهد لسمعت فلانا . ونقبل حديث المرأة حتى نحل [بها ] ونحرم وحدها ، ولا نقبل شهادتها وحدها على شيء ، ونقبل حديث العبد الصادق ولا نقبل شهادته على شيء ، فالحديث غير الشهادة . 
قال  أبو بكر :  وفي هذه المسألة أقاويل غير ذلك . 
روينا عن شريح  أنه كان يجيز شهادة الأعمى مع الرجل العدل إذا عرف الصوت . 
وقال  قتادة   : كذلك إذا كان معه رجل بصير وكانا عدلين . 
وسئل الحكم  عن شهادة الأعمى . فقال : رب شيء يجوز فيه . 
وقال  أحمد بن حنبل   : تجوز في المواضع في النسب ، وكل شيء يضبطه ، وعرفه معرفة لا تخفى عليه . وبه قال إسحاق . 
وقال النعمان :  تجوز شهادته في التسامع . 
وقال الحسن   : لا يجوز إلا أن يكون شيئا قد رآه قبل أن يذهب بصره .  [ ص: 268 ] 
				
						
						
