قوله : فأنزل الله سكينته عليه   والسكينة السكون والطمأنينة ، وفي عليه  قولان : أحدهما أنها ترجع إلى أبي بكر قاله  علي بن أبي طالب   وابن عباس ،  والثاني : أنها في معنى تثنية ، فالتقدير عليهما كقوله : والله ورسوله أحق أن يرضوه  ذكره ابن الأنباري  وأيده  يعني النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قالوا ذلك لأن كل حرف يرد إلى اللاحق به ، فلما كان الانزعاج لأبي بكر  وحده حسن رد هاء السكينة عليه ، ولما كان التأييد بالجنود لا يصلح إلا للرسول ردت هاء وأيده  عليه ، ومثله قوله تعالى : لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه   . 
قال العلماء : بعث الله ملائكة صرفت وجوه الكفار عنهما . 
واعلم أن أبا بكر معروف الفضل في الجاهلية والإسلام . 
ولد بمنى ،  واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب  ، وعند مرة يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النسب . 
وأمه أم الخير سلمى بنت صخر  ، أسلمت . 
 [ ص: 325 ] وكانت إليه في الجاهلية الأسباق وهي الديات ، والمغرم ، وكان إذا احتمل شيئا فسأل فيه قريشا صدقوه وأمضوا حمالة من نهض معه ، وإن احتملها غيره خذلوه . 
ولما جاء الإسلام كان أول من أسلم ، ولقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم عتيقا لحسن وجهه ، وقال : يكون بعدي اثنا عشر خليفة ،  أبو بكر  لا يلبث إلا قليلا .  
وكان  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه يحلف بالله أن الله عز وجل أنزل اسم  أبي بكر  من السماء " الصديق   " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به لجبريل :  إن قومي لا يصدقونني فقال له جبريل : يصدقك أبو بكر ، وهو الصديق . 
وهو أول من خاصم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
روت  أسماء بنت أبي بكر  قالت : أتى الصريخ  أبا بكر  فقيل له : أدرك صاحبك ، فخرج من عندنا وإن له غدائر فدخل المسجد وهو يقول : ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر فرجع إلينا فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا جاء معه وهو يقول : تباركت يا ذا الجلال والإكرام .  
وفي الصحيحين من حديث  أبي سعيد الخدري  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  " إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر " .  وروى  أبو هريرة  رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  " ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر ، فإنه له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة ، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر " فبكى أبو بكر وقال : فهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله .  
أخبرنا  محمد بن عبد الباقي  ، أنبأنا أبو طالب العشاري  ، أنبأنا  علي بن عمر الحافظ  ، حدثنا  البغوي  ، حدثنا  وهب بن بقية  ، حدثنا عبد الله بن سفيان الواسطي  ، عن  ابن جريج  ، عن  عطاء  ، عن  أبي الدرداء  رضي الله عنه قال : رآني النبي صلى الله عليه وسلم أمشي أمام أبي بكر فقال : يا أبا الدرداء أتمشي أمام من هو خير منك في الدنيا والآخرة ! ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر .  
 [ ص: 326 ] أخبرنا عبد الأول  ، أخبرنا الداودي  ، أخبرنا ابن أعين ،  أخبرنا الفربري  ، حدثنا  البخاري  ، حدثني  هشام بن عمار  ، حدثنا صدقة بن خالد  ، حدثنا  زيد بن واقد  ، عن بشر بن عبد الله  ، عن عابد الله أبي إدريس  ، عن  أبي الدرداء  رضي الله عنه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر رضي الله عنه آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما صاحبكم فقد غامر ، فسلم وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي ، فأقبلت إليك ، فقال : يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ، ثم إن عمر رضي الله عنه ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثم أبو بكر ؟ قالوا : لا ، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه : وقال يا رسول الله أنا كنت أظلم مرتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وواساني بنفسه وماله . " فهل أنتم تاركو لي صاحبي " مرتين ، فما أوذي بعدها .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					