الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          أجد الديار كما عهدت وإنما شكواي أني أفقد الجيرانا     يا وحدتي ما أكثر الإخوان لي
          نظرا وأكثر فيهم الخوانا !     في كل مطرح نظرة حولي أخ
          صنو إذا هز الغنى الأفنانا     راع معي أبدا فإن هي أعجفت
          إبلي تقلب أو يعدن سمانا     أشريه من خفض المعيشة غاليا
          ويبيعني في ضنكها مجانا     ألقاهم عدد الكواكب كثرة
          حولي وألقى وحدي الحدثانا



          إخواني : إن البخل والجهل للقلوب قد خالط ، فما يعرف من يخالط .

          كان السلف يتعاشرون بنزع الغل على مناصحة النفوس ، فصارت عشرة العشيرة على موافقة الهوى بدخن الضمير ، كانوا يميلون على الدنيا بالذم فصار الميل إليها بالقلب ، تمالؤوا على حبها ومالوا ، فإذا فرت عن صديقهم أعرضوا ومالوا ، فافتح بصر البصيرة فعلى هذا تراهم ، ثم التفت عنهم وإياك وإياهم :


          اسمعي مني أبثك شاني     إنما يبدي ضميري لساني
          كم أخ لي كان مني فلما     أن رأى الدهر جفاني قد جفاني
          لم يرعني غير خل غادر     موتر نحري لقوس الزمان
          مستعد لي بسهم عندما     أن رأى الدهر رماني قد رماني



          كان الأخ في الله يخلف أخاه في أهله إذا مات أربعين سنة ! وكان الرجل إذا أراد شين أخيه طلب حاجته من غيره .

          خرج إبراهيم بن أدهم رحمه الله في سفر ومعه ثلاثة نفر ، فدخلوا مسجدا في بعض المفاوز والبرد شديد ، وليس للمسجد باب ، فلما ناموا قام إبراهيم فوقف على الباب إلى الصباح ، فقيل له : لم تنم ؟ فقال : خشيت أن يصيبكم البرد فقمت مقام الباب !

          وجاء رجل من السلف إلى بيت صديق له فخرج إليه ، فقال : ما جاء بك ؟ قال : علي أربعمائة درهم ، فدخل الدار فوزنها ثم خرج فأعطاه ، ثم عاد إلى الدار باكيا ، فقالت زوجته : هلا تعللت عليه إذا كان إعطاؤه يشق عليك ؟ فقال : إنما أبكي لأني لم أتفقد حاله فاحتاج أن يقول لي ذلك !

          [ ص: 640 ]

          هل تحسان لي رفيقا رفيقا     أو تصيبان لي صديقا صدوقا
          قد فشا الغدر والخيانة في الناس     فما إن رأى رفيقا شفيقا



          أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك بسنده ، عن رباح بن الجراح ، قال : جاء فتح الموصلي إلى منزل صديق له ، يقال له : عيسى التمار ، فلم يجده في المنزل ، فقال للخادمة : أخرجي لي كيس أخي . فأخرجته ففتحه فأخذ منه درهمين . وجاء عيسى فأخبرته الخادم ، فقال : إن كنت صادقة فأنت حرة . فنظر فإذا هي صادقة . فعتقت !

          أخبرنا أبو بكر بن حبيب ، قال أبو سليمان الداراني : كان لي أخ في الله عز وجل ، فقلت له يوما : أعطني دراهم . فقال : كم تريد ؟ فسقط من عيني وخرجت أخوته من قلبي بقوله : كم تريد .

          واعلم أنه إذا علت مرتبة الأخوة وقع فداء الأخ بالنفس .

          أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بسنده ، عن محمد بن داود ، قال سمعت أبا بكر القرطبي ، وأبا عمرو الآدمي يقولان - وكانا يتآخيان في الله تعالى - : خرجنا من بغداد نريد الكوفة ، فلما سرنا في بعض الطريق إذا نحن بسبعين رابضين على الطريق ، فقال أبو بكر لأبي عمرو : أنا أكبر منك سنا ، فدعني أتقدمك فإن كان حادثة اشتغلا بي عنك وجزت أنت ، فقال له أبو عمرو نفسي ما تسامحني بهذا ، ولكن نكون جميعا في مكان واحد فإن كانت حادثة كنا جميعا . فجازا جميعا بين السبعين ، فلم يتحركا ومرا سالمين .

          وركب أخوان في الله تعالى في البحر ، فكسر بهما المركب فجعلا يسبحان ويتعلق أحدهما بالآخر ، فقال أحدهما للآخر : إن تعلقت بي هلكنا جميعا فدعني فربما سلم أحدنا ، فقال : ظننت أني أنا أنت فإذا وقع الفراق فنعم . فتنحى عنه ، فقدرت لهما السلامة ، فلم يصحبه ذلك باقي عمره .

          إخواني : نسخ في هذا الزمان رسم الأخوة وحكمه ، فلم يبق إلا الحديث عن القدماء ، فإن سمعت بإخوان صدق فلا تصدق .


          ما هذه الألف التي قد زدتم     فدعوتم الخوان بالإخوان
          ما صح لي أحد أصيره أخا     في الله حقا ، لا ولا الشيطان
          إما مول عن ودادي ما له     وجه وإما من له وجهان



          [ ص: 641 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية