الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          [ ص: 492 ] الكلام على قوله تعالى :

          سلام هي حتى مطلع الفجر


          إخواني : إن شهر رمضان قد قرب رحيله وأزف تحويله ، وهو ذاهب عنكم بأفعالكم وقادم عليكم غدا بأعمالكم ، فيا ليت شعري ماذا أودعتموه وبأي الأعمال ودعتموه ؟ أتراه يرحل حامدا صنيعكم أو ذاما تضييعكم ؟ ما كان أعظم بركات ساعاته ، وما كان أحلى جميع طاعاته ، كانت ليالي عتق ومباهاة ، وأوقاته أوقات خدم ومناجاة ، ونهاره زمان قربة ومصافاة ، وساعاته أحيان اجتهاد ومعاناة ، فبادروا البقية بالتقية قبل فوات البر ونزول البرية وتخلى عنك جميع البرية .

          أين المخلص المتعبد ، أين الراهب المتزهد ، أين المنقطع المتفرد ، أين العامل المجود ، هيهات بقي عبد الدنيا ومات السيد ، وهلك من خطؤه خطأ وعاش المتعمد ، وضار مكان الخاشعين كل منافق متمرد ، رحل عنك شهر الصيام ، وودعك زمان القيام ، ولح النصيح وقد لام ، أفتشرق شمس الإيقاظ وتنام ، فاستدرك ما قد بقي من الأيام ، قد رأيتك توانيت في الأولى والثانية والثالثة فما بعد أن دنا الصباح .

          أخبرنا ابن الحصين بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق فيه مثل جميع ما أعتق " أنبأنا زاهر بن طاهر بسنده عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لله في كل ليلة من شهر رمضان ستمائة ألف عتيق من النار ، فإذا كان آخر ليلة أعتق بعدد من مضى " .

          وقد روينا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كانت آخر ليلة من رمضان أعتق الله عز وجل في ذلك اليوم بعدد ما أعتق من أول الشهر إلى آخره " .

          وقد كان عبد الرحمن بن الأسود يحيي ليلة الفطر ويقول : هي ليلة غفلة .

          وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أحيا ليلتي العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب " .

          وكان جعفر الصادق يدعو في آخر رمضان فيقول : اللهم رب رمضان منزل القرآن هذا [ ص: 493 ] شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وقد تصرم ، أي رب فأعوذ بوجهك الكريم أن يطلع الفجر من ليلتي هذه أو يخرج رمضان ولك عندي ذنب تريد أن تعذبني يوم ألقاك .

          ومن المتعلق بالصيام إخراج زكاة الفطر ، حدثنا أبو القاسم بن الحصين بسنده عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن شهر رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلا بزكاة الفطر " .

          وينبغي أن يكون الاجتهاد في أواخر الشهر أكثر من أوله لشيئين : أحدهما لشرف هذا العشر وطلب ليلة القدر ، فقد روينا فيما تقدم : " اطلبوها في خمس بقين أو ثلاث أو آخر ليلة " والثاني : لوداع شهر لا يدرى هل يلقى مثله أم لا .

          إخواني : ليلة القدر ليلة يفتح فيها الباب ويقرب فيها الأحباب ويسمع الخطاب ويرد الجواب ويسنى للعاملين عظيم الأجر سلام هي حتى مطلع الفجر .

          يسعد بها المواصل ويتوفر فيها الحاصل ، ويقبل فيها المجامل ، فيا ربح المعامل في البحر سلام هي حتى مطلع الفجر .

          ليلة تتلقى فيها الوفود ، ويحصل لهم المقصود بالقبول والفوز والسعود أترى ما يؤلمك أيها المطرود هذا الهجر سلام هي حتى مطلع الفجر أخلصوا وما أخلصت قصدك ، وبلغوا المراد وما بلغت أشدك ، وكلما جئت بلا نية ردك ، أوليس ما يؤثر عندك شديد هذا الزجر سلام هي حتى مطلع الفجر .

          أيقظ نفسك لما بين يديها ، وانتظر ما سيأتي عن قليل إليها ، وأسمعها المواعظ فقد حضرت لديها ، واقبل نصحي وخذ عليها ضرب الحجر سلام هي حتى مطلع الفجر . هذه أوقات يربح فيها من فهم ودرى ، ويصل إلى مراده كل من جد وسرى ، ويفك فيها العاني وتطلق الأسرى ، تقدم القوم وأنت راجع إلى ورا ، أوليس كل هذا قد جرى وكأنه لم يجر سلام هي حتى مطلع الفجر .

          وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية