الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          عمر ينقضي وذنب يزيد ورقيب يحصي علي شهيد     واقتراب من الحمام وتأ
          ميل لطول البقاء عندي جديد     أنا لاه وللمنية حتم
          حيث يممت منهل مورود     كل يوم يميت مني جزءا
          وحياتي تنفس معدود     كم أخ قد رزئته فهو وإن أضحى
          قريب المحل مني بعيد     خلسته المنون مني فما لي
          خلف منه في الورى موجود     هل لنفسي بواعظات الجديدين
          عن منزل سيبيد

          ألا متيقظ لما بين يديه ، ألا متأهب للقادم عليه ، ألا عامر للقبر قبل الوصول إليه ، يا واقفا مع هواه وأغراضه ، يا معرضا عن ذكر عوارضه إلى أعراضه ، يا غافلا عن حكم الموت وقد بت بمقراضه ، سيعرف خبره إذا اشتد أشد أمراضه ، وأورده حوضا مريرا من أصعب حياضه ، ونزل به ما يمنعه من اغتماضه ، واستبدل بانبساط كفه كفه عن انقباضه ، وأخذت يد التلف بعد إحكامه في انتقاضه ، وأخرج عن خضر الربى وروضه وغياضه ، وألقي في لحد وعر يخلو برضراضه ، وعلم أنه باع عمره بأردأ أعواضه .

          يا من الهوى كلامه وحديثه ، يا من في المعاصي قديمه وحديثه ، يا من عمره في المعاصي خفيفه وأثيثه ، من له إذا لم يجد في كربه من يغيثه ، آه من قهر لا يرفق بطاشه ، ومن حريق لا يرحم عطاشه ، ومن نزول لحد لا يرفع خشاشه ، عمل المقبول فيه لحافه وفراشه ، آه من سحاب عقاب رذاذه يردي ورشاشه ، من يخلصه اليوم من هوى قد أشربه مشاشه .

          كأنكم بالسماء قد انشقت وأذنت لربها وحقت ، وبأقدام الصالحين قد ترقت ، وبأيمانهم للصحائف قد تلقت ، صبر القوم على حصر الحبس فخرجوا إلى روح السعة .

          [ ص: 245 ] قال أحمد بن أبي الحواري : قلت لزوجتي رابعة : أصائمة أنت اليوم ؟ فقالت : ومثلي من يفطر في الدنيا !

          وكانت إذا طبخت قدرا قالت : كلها يا سيدي فما نضجت إلا بالتسبيح والتقديس !

          وكانت تقول : ما سمعت الآذان إلا ذكرت منادي القيامة ، ولا رأيت الثلج إلا تذكرت تطاير الصحف ، ولا رأيت جرادا إلا ذكرت الحشر ، وربما رأيت الجن يذهبون ويجيئون ، وربما رأيت الحور يستترن مني بأكمامهن .

          قال : ودعوتها مرة فلم تجبني ، فلما كان بعد ساعة أجابتني وقالت : إن قلبي كان قد امتلأ فرحا بالله فلم أقدر أن أجيبك .

          قال : وكانت لها أحوال شتى ، فمرة يغلب عليها الحب فتقول :


          حبيب ليس يعدله حبيب     ولا لسواه في قلبي نصيب
          حبيب غاب عن بصري وسمعي     ولكن عن فؤادي ما يغيب

          وتارة يغلب عليها الأنس فتقول :


          ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي     وأبحت جسمي من أراد جلوسي
          فالجسم مني للجليس مؤانس     وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي

          وتارة يغلب عليها الخوف فتقول :


          وزادي قليل ما أراه مبلغي     أللزاد أبكي أم لطول مسافتي
          أتحرقني بالنار يا غاية المنى     فأين رجائي فيك أين محبتي

          ويح قلبك ! ما هذه القسوة ، أتغلبك وأنت رجل نسوة !

          كانت أم هارون من العابدات تقول : إني لأغتم بالنهار حتى يجيء الليل ، فإذا جاء الليل قمت ، فإذا جاء السحر دخل الروح قلبي .

          وخرجت إلى بيت المقدس فعارضها سبع فقالت : تعال إن كان لك رزق فكل . فأقعى السبع ثم عاد .

          وكانت ثويبة بنت بهلول تقول : قرة عيني ! ما طابت الدنيا والآخرة إلا بك ، فلا تجمع علي فقدك والعذاب !

          قال خشيش الموصلي : جاءني كتاب من حمادة العابدة فإذا فيه : أبلغ كل محزون بالشام عني السلام .

          أخبرنا عمر بن ظفر ، أنبأنا جعفر بن أحمد ، أنبأنا عبد العزيز بن علي ، أنبأنا علي بن عبد الله بن جهضم ، حدثنا محمد بن داود الدينوري ، عن أبي زكريا الشيرازي ، قال : تهت [ ص: 246 ] في البادية بالعراق أياما كثيرة ولم أجد شيئا أرتفق به ، فلما كان بعد ثلاثة أيام رأيت في الفلاة خباء شعر مضروبا ، فقصدته فإذا فيه بيت وعليه ستر مسبل ، فسلمت فردت علي عجوز من داخل الخباء وقالت : يا إنسان من أين أقبلت ؟ قلت : من مكة . قالت : وأين تريد ؟ قلت : الشام . قالت : أرى شبحك شبح إنسان بطال ، هلا لزمت زاوية تجلس فيها إلى أن يأتيك اليقين ، ثم تنظر هذه الكسرة من أين تأكلها ؟ !

          ثم قالت : تقرأ شيئا من القرآن ؟ قلت : نعم . فقالت : اقرأ علي آخر سورة الفرقان . فقرأتها فشهقت وأغمي عليها . فلما أفاقت قرأت هي الآيات ، فأخذت مني قراءتها أخذا شديدا ، ثم قالت : يا إنسان اقرأها ثانية . فقرأتها ، فلحقها مثل ما لحقها في الأول فصبرت أكثر من ذلك فلم تفق ، فقلت كيف أستكشف حالها هل ماتت أم لا ؟ فتركت البيت على حاله ومشيت أقل من نصف ميل ، فأشرفت على واد فيه أعراب ، فأقبل إلي غلامان معهما جارية ، فقال أحد الغلامين : يا إنسان أتيت البيت في الفلاة ؟ قلت : نعم . قال : وتقرأ القرآن ؟ قلت : نعم . قال : قتلت العجوز ورب الكعبة !

          فمشيت مع الغلامين والجارية حتى أتينا البيت ، فدخلت الجارية فكشفت عن وجهها فإذا هي ميتة ، فأعجبني خاطر الغلام ، فقلت للجارية : من هذان الغلامان ؟ فقالت : هذه أختهم ، منذ ثلاثين سنة لم تأنس بكلام الناس ، وإذا نزلنا بواد تواري بيتها بالفلاة لئلا تسمع كلام أحد ، وكانت تأكل في كل ثلاثة أيام أكلة وتشرب شربة .


          ثورها الحادي على فرط الرجا     تأمل مع ضوء الصباح الفرجا
          تقطع في البيد سبيلا حرجا     باسطة عقالها جنح الدجا

          غيره :


          حدث عليها في السرى حاديها     فلا تقل فشوقها يكفيها

          غيره :


          يا سائقها على وحاها مهلا     ارتد لمسيرها طريقا سهلا
          وانشد قلبي إن جزت باب المعلى     ما بين قبور العاشقين القتلى

          غيره :


          يا ساكني بطن وجرة من نجد     هل عندكم لسائل ما يجدي
          مقتول هوى به رسيس الوجد     ما حال عن العهد لطول العهد

          [ ص: 247 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية