الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          قوله : فأنزل الله سكينته عليه والسكينة السكون والطمأنينة ، وفي عليه قولان : أحدهما أنها ترجع إلى أبي بكر قاله علي بن أبي طالب وابن عباس ، والثاني : أنها في معنى تثنية ، فالتقدير عليهما كقوله : والله ورسوله أحق أن يرضوه ذكره ابن الأنباري وأيده يعني النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قالوا ذلك لأن كل حرف يرد إلى اللاحق به ، فلما كان الانزعاج لأبي بكر وحده حسن رد هاء السكينة عليه ، ولما كان التأييد بالجنود لا يصلح إلا للرسول ردت هاء وأيده عليه ، ومثله قوله تعالى : لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه .

          قال العلماء : بعث الله ملائكة صرفت وجوه الكفار عنهما .

          واعلم أن أبا بكر معروف الفضل في الجاهلية والإسلام .

          ولد بمنى ، واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب ، وعند مرة يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النسب .

          وأمه أم الخير سلمى بنت صخر ، أسلمت .

          [ ص: 325 ] وكانت إليه في الجاهلية الأسباق وهي الديات ، والمغرم ، وكان إذا احتمل شيئا فسأل فيه قريشا صدقوه وأمضوا حمالة من نهض معه ، وإن احتملها غيره خذلوه .

          ولما جاء الإسلام كان أول من أسلم ، ولقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم عتيقا لحسن وجهه ، وقال : يكون بعدي اثنا عشر خليفة ، أبو بكر لا يلبث إلا قليلا .

          وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحلف بالله أن الله عز وجل أنزل اسم أبي بكر من السماء " الصديق " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به لجبريل : إن قومي لا يصدقونني فقال له جبريل : يصدقك أبو بكر ، وهو الصديق .

          وهو أول من خاصم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

          روت أسماء بنت أبي بكر قالت : أتى الصريخ أبا بكر فقيل له : أدرك صاحبك ، فخرج من عندنا وإن له غدائر فدخل المسجد وهو يقول : ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر فرجع إلينا فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا جاء معه وهو يقول : تباركت يا ذا الجلال والإكرام .

          وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر " . وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر ، فإنه له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة ، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر " فبكى أبو بكر وقال : فهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله .

          أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا أبو طالب العشاري ، أنبأنا علي بن عمر الحافظ ، حدثنا البغوي ، حدثنا وهب بن بقية ، حدثنا عبد الله بن سفيان الواسطي ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : رآني النبي صلى الله عليه وسلم أمشي أمام أبي بكر فقال : يا أبا الدرداء أتمشي أمام من هو خير منك في الدنيا والآخرة ! ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر .

          [ ص: 326 ] أخبرنا عبد الأول ، أخبرنا الداودي ، أخبرنا ابن أعين ، أخبرنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثني هشام بن عمار ، حدثنا صدقة بن خالد ، حدثنا زيد بن واقد ، عن بشر بن عبد الله ، عن عابد الله أبي إدريس ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر رضي الله عنه آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما صاحبكم فقد غامر ، فسلم وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي ، فأقبلت إليك ، فقال : يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ، ثم إن عمر رضي الله عنه ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثم أبو بكر ؟ قالوا : لا ، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه : وقال يا رسول الله أنا كنت أظلم مرتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وواساني بنفسه وماله . " فهل أنتم تاركو لي صاحبي " مرتين ، فما أوذي بعدها .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية