الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          عجبت لحر النفس كيف يضام وحر يخاف العتب وهو ينام     وراض بأوساط الأمور تقاعدا
          وفيه إلى غاياتهن قيام     يسمون عيشا في الخمول سلامة
          وصحة أيام الخمول سقام     ويستبعدون الرزق طالت به يد
          إذا أسمن الأجسام وهو سمام     جزى الله خيرا عارفا بزمانه
          تجاربه قد شبن وهو غلام     دع الناس فيما أجمعوا بعض واحد
          فنقصك مما لا يعد تمام

          ألا قرين عزم يبادر ، ألا خدين حزم يحاذر ، ألا شريف الهمة يأنف ، ألا متجاف عن الرذائل يتجانف .

          إخواني : الدنيا دار قلعة لا حصن قلعة ، فرحها يحول وترحها يطول ، لو صحت فكرة عشاقها في مقابح أخلاقها لرفضوها لعيوبها وهجروها لذنوبها ، ولكنهم لم ينظروا عيب عيبها ولم يعلموا خضاب شيبها .


          تبت إلى خالقي أفر من الـ     ـدنيا وإني بها لمغتر
          تضحك لي خدعة لأتبعها     وهي عن الموبقات تفتر

          [ ص: 317 ] من نزل بساحة القناعة ذاق حلاوة الغنى ، من قرع بأنامل التفكر باب الحزن فتح له عن رياض الأنس ، مراعاة الأسرار من علامات التيقظ ، لكل باب مفتاح ومفتاح الحكمة طرد الهوى .

          إخواني : فيكم من يترك ما يهوى لما يأمل ؟


          وحتم قسمة الأرزاق فينا     وإن ضعف اليقين من القلوب
          وكم من طالب رزقا بعيدا     أتاه الرزق من أمر قريب
          فأجمل في الطلاب وكن رفيقا     بنفسك في معالجة الخطوب
          فما الإنسان إلا مثل شلو     تواكله النوائب بالنيوب
          فغربان المنية إن نعتها     فليس بفائت رجم المشيب

          قال أبو ذر : لك في المال شركاء ثلاثة : القدر لا يستأمرك أن يذهب بخير أو شر من هلاك أو موت ، والوارث ينتظر أن تضع رأسك ثم يستاقه وأنت ذميم ، وأنت الثالث ، فإن استطعت أن لا تكون أعجز الثلاثة فلا تكن ! .

          قال علي بن عبيدة : لولا لهب من الحرص ينشأ في القلوب لا يملك الاعتبار أطفأ توقده ، ما كان في الدنيا عوض من يوم يضيع فيها يمكن فيه العمل الصالح .


          الرأي أخذك بالحزامة في الذي     تبغي فقصرك ميتة وذهاب
          غلب الفساد على العقول فكذبت     صدق الأنام وصدق الكذاب
          ضربوا الجماجم بالسيوف على الذي     يفنى وطال عن الهوى الإضراب
          وتغرنا آمالنا فنخالها     ماء يموج وكلهن سراب

          يا ناسيا مهلا عن قليل حادث ، حادث قلبك بما بين يديك حادث ، يا راحلا وهو يظن أنه مقيم لابث ، يا نائما قد أزعجته المقلقات البواعث ، يا لاعبا والليالي في سيره حثائث ، يا ساهيا قد علقت به براثن الموت الضوابث ، يا معجبا بزخارف في ضمنها الحوادث ، يا مقبلا على سحار من الهوى نافث ، يا مخمورا بالمنى الخمر أم الخبائث ، يا مطلوبا بالجد وفعله فعل عابث ، يا حريصا على المال ما له حظ وارث ، إياك والدنيا فإن حلفها حلف حانث ، لا تسمعن قولها فالعزم عزم ناكث .


          قد أصبحت ونعاتها نعاتها     وكذلك الدنيا تخيب سعاتها
          كدارة أحزانها ضرارة     أشجانها مرارة ساعاتها
          فمتى ينبه من رقاد مهلك     من قد أضر بعينه هجعاتها
          من يغتبط بمعيشة وأمامه     نوب تطيل عناءه فجعاتها
          وإذا رجعت إلى النهى فذواهب الـ     ـأيام غير مؤمل رجعاتها
          [ ص: 318 ] أوما تفيق من الغرام بعارك     مشهورة مع غيرنا وقعاتها

          يا من عمره كلما زاد نقص ، يا من يأمن الموت وكم قد قنص ، يا مائلا إلى الدنيا هل سلمت من نغص ، يا مفرطا في الوقت هلا بادرت الفرص ، يا من إذا ارتقى في سلم الهدى فلاح له الهوى نكص ، من لك يوم الحشر إذا نشرت القصص ، ذنوبك كثيرة جمة ، ونفسك بغير الصلاح مهتمة ، وأنت في المعاصي إمام وأمة ، يا من إذا طلب في المتقين لم يوجد ثمة ، يا من سيلحق في مصرعه ، وإن أباه ، أباه وأمه ، متى تنقشع هذه الظلمة والغمة ، متى تنشق أكمة أكمه ذي كمه ، يا من قد أعماه الهوى ثم أصمه ، يا من لا يفرق بين المديح والمذمة ، يا من باع فرحه ثم اشترى غمه ؟ يا عقلا خربا يحتاج إلى مرمة .


          يا آدمي أتدري ما منيت به     أم دون ذهنك ستر ليس ينجاب
          يوم ويوم ويفنى العمر منطويا     عام جديب وعام فيه إخصاب

          غيره :


          فلا تغرنك الدنيا بزخرفها     فأريها إن بلاها غافل صاب
          والحزم يجني أمورا كلها شرف     والحرص يجني أمورا كلها عاب

          التالي السابق


          الخدمات العلمية