الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          يا نفس أنى تؤفكينا حتى متى لا ترعوينا     حتى متى لا تعقليــــ
          ــــن وتسمعين وتبصرينا     يا نفس إن لم تصلحي
          فتشبهي بالصالحينا     وتفكري فيما أقو
          ل لعل رشدك أن يحينا     فليأتين عليك ما
          أفنى القرون الأولينا     أين الأولى جمعوا وكا
          نوا للحوادث آمنينا     أفناهم الموت المطـــــــــ
          ل على الخلائق أجمعينا     فإذا مساكنهم وما
          جمعوا لقوم آخرينا

          يا من يؤمر بما يصلحه فلا يقبل ، أما الشيب نذير بالموت قد أقبل ، أما أنت الذي عن [ ص: 190 ] أفعاله تسأل ، أما أنت تخلو في اللحد بما تعمل ، ستعلم يوم الحساب عند العتاب من يخجل ، يا مبادرا بالخطايا توقف لا تعجل ، يا مفسدا ما بيننا وبينه لا تفعل .


          ترى الدنيا وزينتها فتصبو     وما يخلو من الشهوات قلب
          فضول العيش أكثرها هموم     وأكثر ما يضرك ما تحب
          فلا يغررك زخرف ما تراه     وعيش لين الأطراف رطب
          إذا ما بلغة جاءتك عفوا     فخذها فالغنى مرعى وشرب
          إذا اتفق القليل وفيه سلم     فلا ترد الكثير وفيه حرب

          إخواني : أيامكم قلائل ، وآثامكم غوائل ، ومواعظكم قوائل ، وأهواؤكم قواتل ، فليعتبر الأواخر بالأوائل ، يا من يوقن أنه لا شك راحل ، وما له زاد ولا رواحل ، يا من لج في لجة الهوى متى يرتقي إلى الساحل ، هلا تنبهت من رقاد شامل ، وحضرت المواعظ بقلب قابل ، وقمت في الدجى قيام عاقل ، وكتبت بالدموع سطور الرسائل ، تحف بها زفرات الندم كالوسائل ، وبعثتها في سفينة دمع سائل ، لعلها ترسى بساحل هل من سائل وا أسفا لمغرور غفول جاهل قد أثقل بعد الكهولة بالذنب الكاهل ، وضيع في البضاعة وبذر الحاصل ، وركن إلى ركن لو رآه مائل ، يبني الحصون ويشيد المعاقل ، وهو عن شهيد قبره متثاقل ، ثم يدعي بعد هذا أنه عاقل ، تالله لقد سبقه الأبطال إلى أعلى المنازل ، وهو يؤمل في بطالته فوز العامل ، هيهات ما علق بطال بطائل .


          إذا بكيت ما مضى من زمن     فحق لي أبكي ومن لي بالبكا
          من أبصر الدنيا بعين عقله     أدرك أن الدار ليست للبقا
          مطية واردة إلى الردى     وإن تراخى العمر وامتد المدى
          إن هي أعطت كان هما حاضرا     أو منعت كان عذابا وأذى
          والمرء رهن أمل ما ينتهي     حتى يوافي أجلا قد انتهى

          كان بشر الحافي إذا ذكر عنده الموت يقول : ينبغي لمن يعلم أنه يموت أن يكون بمنزلة من جمع زاده فوضعه على رحله لم يدع شيئا مما يحتاج إليه إلا وضعه عليه .

          أخبرنا أحمد بن أحمد الهاشمي ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا محمد بن الحسن الأهوازي ، سمعت أبا بكر الدنف الصوفي يحدث عن جامع بن أحمد قال : سمعت يحيى بن معاذ يقول : ليكن بيتك الخلوة وطعامك الجوع وحديثك المناجاة ، فإما أن تموت بدائك أو تصل إلى دوائك .

          أخبرنا عمر بن ظفر ، أنبأنا جعفر بن أحمد ، حدثنا عبد العزيز بن علي ، أنبأنا ابن [ ص: 191 ] جهضم ، حدثنا محمد جعفر الوراق ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الله المكي ، قال قال رجل للفضيل بن عياض : رأيت البارحة في النوم كذا وكذا ، فقال له الفضيل : ألست حامل القرآن ؟ قال : بلى ، قال فتنام بالليل وأنت حامل القرآن ! أما تخاف أن يأخذك وأنت نائم .

          يا غافلا طول دهره عن ممر يومه وشهره ، يا موعوظا في سره وجهره بجفاف النبات وزهره ، يا منبها في أمره بأسره على حبسه وأسره ، يا مذكورا في عسره ويسره ، سل حادثات الزمان عن يسره ، يا عصفورا لا بد من ذبحه وتخريب وكره ، ثم لا يجول ذلك على فكره ، متى يفيق سكران الهوى من سكره فيستبد العرف بفكره ، ألا يتنبه هذا المبذر لبذره ، ألا يتيقظ الجاني لإقامة عذره ، والله لو سكن قلبه خوف حشره لخرج في أعمال الجد من قشره ، بل لو تفكر حق التفكر في نشره لم يبع ثوبا ولم يشره ، مضى الزمان في مد اللهو وجزره ، وما حظي المفرط بغير وزره ، تالله لقد اغتبط المحسن في قبره وندم المسيء على قلة صبره ، يا حسن ما أطاع بترتيل القرآن أبو عمرو ويا خسر ما أضاع أبو نواس في خمره .


          حياة وموت وانتظار قيامة     ثلاث أفادتنا ألوف معاني
          فلا تمهر الدنيا الدنية إنها     تفارق أهليها فراق لعان
          ولا تطلبوها من سنان وصارم     بيوم ضراب أو بيوم طعان
          فإن شئتما أن تخلصا من أذاتها     فحطا بها الأثقال واتبعاني
          عجبت من الصبح المنير وضده     على أهل هذا الضد يطلعان
          وقد أخرجاني بالكراهة منهما     كأنهما للضيف ما وسعاني
          دعاني إلى هذا التفرد إنني     خبير فجدا في السرى ودعاني



          التالي السابق


          الخدمات العلمية