الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          يا أخي كن على حذر قبل أن تحدث الغير     لا تكن جاهلا كأنـــــ
          ـــــنك لا تعرف الخبر     نشر العيش صفوه
          فطوى الموت ما نشر     فإذا ما صفا لك الد
          دهر فاعمل على الحذر     أين من طال عمره
          أين من كان ذا قصر     لا الرقى أخرتهم
          من طبيب ولا البشر     رحم الله من تفكـــــــــــــ
          ـــــــــــكر في الموت واعتبر [ ص: 176 ]     قبل أن تخرج النفو
          س ولا تمكن الفكر     فكأنا بيومنا
          قد أتانا به القدر     واستوى عنده الموا
          صل فيه ومن هجر     وعدمنا النهار والليـــــــــــــ
          ـــــــــــل والحر والمطر     وانقضى العد بالنجو
          م وبالشمس والقمر     ما انتظاري وكل حي
          له الموت ينتظر     رق جلدي ودق عظـــــ
          ـــمي وقلبي فمن حجر     كلما تبت من ذنو
          ب تقحمت في أخر

          يا غريقا في لجج لجاجه ، يا راحلا عن قليل عن أهله وماله وأزواجه ، يا مسئولا ما له جواب في احتجاجه ، متى يأتي الهدى من طرقه وفجاجه ، متى تنير القلوب بإيقاد سراجه ، متى يكتم هذا الجرح بانتساجه ، متى يفتح باب يا طول ارتياجه ، متى يستدرك عمر قد مر باندماجه ، متى يرجع سفر الندم بقضاء حاجه ، إلى متى يقال فلا تقبل ، أما الموت نحوك قد أقبل ، أما العمر أيام تنهب ، أما الساعات أحلام تذهب ، أما المعاصي تضر الكاسب ، أما الخطايا شر المكاسب ، أبعد احتجاج الشيب ما ترعوي ، أبعد اعوجاج الصلب كما تستوي .


          إلى كم يكون العتب في كل لحظة     ولم لا تملون القطيعة والهجرا
          رويدك إن الدهر فيه كفاية     لتفريق ذات البين فانتظر الدهرا

          لله در أقوام نظروا إلى الأشياء بعيبها ، فكشفت لهم العواقب عن غيبها ، وأخبرتهم الدنيا بكل عيبها ، فشمروا للجد عن سوق العزائم وأنت في الغفلة نائم .

          أخبرنا يحيى بن علي ، أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي ، حدثنا محمد بن يوسف العلاف حدثنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا عبد الله بن عون ، حدثنا يوسف بن عطية ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي استقبله رجل من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال : أصبحت مؤمنا بالله حقا ، قال : انظر ما تقول فإن لكل قول حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟ قال : يا رسول الله عرفت نفسي الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري ، وكأني بعرش ربي بارزا ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأني أنظر إلى أهل النار يتعاوون فيها ، قال : أبصرت فالزم .

          [ ص: 177 ] عبد نور الله الإيمان في قلبه فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ادع الله لي بالشهادة ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنودي يوما في الخيل ، فكان أول فارس ركب وأول فارس استشهد قال : فبلغ ذلك أمه فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن يكن في الجنة لم أبك عليه ، ولكن أحزن ، وإن يكن في النار بكيت عليه ما عشت في دار الدنيا ، فقال : " يا أم حارثة إنها ليست بجنة ولكن جنات ، والحارث في الفردوس الأعلى " فرجعت وهي تضحك وتقول : بخ بخ لك يا حارثة ! .


          يا هذا سبقك أهل العزائم وأنت في الغفلة نائم ، لقد بعت المعالي بالكسل ، وآثرت البطالة على العمل ، أزعج ذكر القيامة قلوب الخائفين ، وقلقل خوف العتاب أفئدة العارفين ، فاشتغلوا عن طعام الطغام ، ومال بهم حذر الباس عن تنوق اللباس .

          كان أويس القرني يلتقط الرقاع من المزابل ويغسلها في الفرات ويضع بعضها على بعض :


          أطماره رثة فقد ضاع     لا ضاع ، وضاع الثمين في بلده
          ليس له ناقد فيعرفه     وآفة التبر ضعف منتقده

          يا مفرطا في ساعاته بالليل والنهار ، لو علمت ما فات شابهت دموعك الأنهار ، يا طويل النوم عدمت خيرات الأسحار ، لو رأى طرفك ما نال الأبرار حار ، يا مخدوعا بالهوى ساكنا في دار ، قد حام حول ساكنها طارق الفناء ودار ، سار الصالحون فاجتهد في اتباع الآثار ، واذكر بظلام الليل ظلام القبر وخلو الديار ، وحارب عدوا قد قتلك بالهوى واطلب الثأر فقد أريتك طريقا إن سلكتها أمنت العثار ، فإن فزت بالمراد فالصيد لمن أثار .


          من لنفس أبت     ناصحا إذ صبت
          كم جديد من صبا     في جديد أبلت
          وأطاعت من هوى     فهوت إذ هفت
          عدمت يقظتها     فيه حتى قضت
          ويك يا نفس ألا     حذر من غفلة
          إنما الدنيا أسى     كم دموع أذرت
          إن بنت ما شيدت     هدمت ما بنت
          أو حبت سائلها     رجعت في الهبة
          أو صفت عند فتى     كدرت ما أصفت
          [ ص: 178 ] كم صريع نقلت     إذ قلت في قلة
          كم غبي غافل     أسمعت إذ نعت
          غادرته جثة     لرفات علة
          لم يكن ينفعه     كل عين بكت
          آه يوما حسرة     لأمور جرت



          التالي السابق


          الخدمات العلمية