الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          منافسة الهوى فيما يزول هلى نقصان همته دليل     ومختار القليل أقل منه
          وكل فوائد الدنيا قليل

          يا قليل الصبر عن اللهو والعبث ، يا من كلما عاهد غدر ونكث ، يا مغترا بساحر الهوى كلما نفث ، تالله لقد بولغ في توبيخه وما اكترث ، وبعث إليه النذير ولا يدري من العبث من بعث ، سيندم من للقبيح حرث ، سيبكي زمان الهوى حين الظمأ عند اللهث ، سيعرف خبره العاصي إذا حل الحدث ، سيرى سيره إذا ناقش المسائل وبحث ، سيقرع سن الندم إذا نادى ولم يعث ، وعجبا لجاهل باع تعذيب النفوس براحات الجثث .

          كان الشبلي يقول : لا تغترر بدار لا بد من الرحيل عنها ، ولا تخرب دارا لا بد من الخلود فيها .

          أخبرنا أحمد بن أحمد الهاشمي ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا الحسن بن أحمد الدورقي ، حدثنا جعفر بن محمد بن أحمد المؤدب ، حدثنا محمد بن يونس ، حدثنا شداد بن علي الهرابي ، حدثنا عبد الواحد بن زيد ، قال : مررت براهب فناديته : يا راهب من تعبد ؟ قال : الذي خلقني وخلقك ، قلت عظيم هو ؟ قال : قد جاوزت عظمته كل شيء ، قلت : فمتى [ ص: 166 ] يذوق العبد حلاوة الأنس بالله ؟ قال : إذا صفا الود وخلصت المعاملة ، قلت : فمتى يصفو الود ؟ قال : إذا اجتمع الهم في الطاعة ، قلت : فمتى تخلص المعاملة ؟ قال : إذا كان الهم هما واحدا ، قلت : فكيف تخليت بالوحدة ؟ قال : لو ذقت حلاوة الوحدة لاستوحشت إليها من نفسك ، قلت : فما أكثر ما يجد العبد من الوحدة ، قال : الراحة من مداركة الناس والسلامة من شرهم ، قلت : بماذا يستعان على قلة المطعم ؟ قال : بالتحري في المكسب ، قلت : زدني خلالا ، قال : كل حلالا وارقد حيث شئت ، قلت : فأين طريق الراحة ؟ قال : خلاف الهوى ، قلت : لم تعلقت في هذه الصومعة ؟ قال : من مشى على الأرض عثر ، فتحصنت بمن في السماء من فتنة أهل الأرض لأنهم سراق العقول ، وذلك أن القلب إذا صفا ضاقت عليه الأرض فأحب قرب السماء ، قلت : يا راهب من أين تأكل ؟ قال : من زرع لم أبذره ، قلت : من يأتيك به ؟ قال : الذي نصب الرحا يأتيها بالطحين ، قلت : كيف ترى حالك ؟ قال : كيف يكون حال من أراد سفرا بلا أهبة ، ويسكن قبرا بلا مؤنس ، ويقف بين يدي حكم عدل ، ثم أرسل عينه وبكى ، قلت : ما يبكيك ؟ قال : ذكرت أياما مضت من أجلي لم أحقق فيها عملي ، وفكرت في قلة الزاد وفي عقبة هبوط إلى الجنة أو إلى النار ، قلت : يا راهب : بم يستجلب الحزن ؟ قال : بطول الغربة ، وليس الغريب من مشى من بلد إلى بلد ، ولكن الغريب صالح بين فساق .

          ثم قال : إن سرعة الاستغفار توبة الكذابين ، لو علم اللسان مما يستغفر لجف في الحنك ، إن الدنيا منذ ساكنها الموت ما قرت بها عين ، كلما تزوجت الدنيا زوجا طلقه الموت ، فمثلها كمثل الحية لين مسها والسم في جوفها .

          ثم قال : عند تصحيح الضمائر يغفر الله الكبائر ، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته من السماء الفتوح ، والدعاء المستجاب الذي تحركه الأحزان .

          قلت : فأكون معك يا راهب ؟ قال : ما أصنع بك ، ومعي معطي الأرزاق وقابض الأرواح ، يسوق إلي الرزق في كل وقت ، لم يكلفني جمعه ولم يقدر على ذلك أحد غيره .

          اسمع يا خائن الذمم يا مضيع الحرم ، يا من على التوبة عزم زعم ، غير أنه كلما بنى أن يلوذ بنا هدم ، يسعى إلى الهدى فإذا رأى جيفة الهوى جثم ، ويحك إطلاق البصر في سور الحذر ثلم عجبا لأمنك وأنت بين فكي جلم ، كأنك بك تتمنى العدم ، وتبكي على تفريطك بندم ، إلى كم هذا التواني كم كم وكم ، وإياك والدنيا فما تشفي من قرم لمن تحدث لقد نفخنا من غير ضرم .

          [ ص: 167 ]

          كم أسير لشهوة وقتيل     أف لمشتر خلاف الجميل
          شهوات الإنسان تورثه الذل     وتلقيه في البلاء الطويل

          يا حائرا لم يؤثر إلا خلافا ، يا واعدا بالتوبة ولم نر إلا إخلافا ، متى ستعمل عدلا وتورث إنصافا ، أتصافي الهوى من اليوم إن صافى ، أما ترى الناس بهذه الدار أضيافا ، أتوقن بالحساب وترمي الفعل جزافا أتنسى الموت وكم قد أقام سيافا ، أما بقي القليل ثم تلحق أسلافا ، متى تعاملنا باليسير فنضاعفه أضعافا .


          إذا كثرت منك الذنوب فداوها     برفع يد في الليل والليل مظلم
          ولا تقنطن من رحمة الله إنما     قنوطك منها من خطاياك أعظم
          فرحمته للمحسنين كرامة     ورحمته للمسرفين تكرم

          قال بنان : دخلت على ابن العرجي وهو في بيت مملوء كتبا ، فقلت له اختصر لي من هذه الكتب كلمتين أنتفع بهما ، قال : ليكن همك مجموعا فيما يرضي الله عز وجل فإن اعترض عليك شيء فتب من وقتك .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية