الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          قوله تعالى : سيء بهم أي ساءه مجيء الرسل ، لأنه لم يعرفهم وخاف عليهم من قومه وضاق بهم ذرعا قال الزجاج : يقال ضاق بفلان أمره ذرعا إذا لم يجد من المكروه مخلصا ، وقال ابن الأنباري : ضاق بهم وسعه ، فناب الذرع عن الوسع وقال هذا يوم عصيب يقال هذا يوم عصيب وعصبصب إذا كان شديدا .

          وجاءه قومه يهرعون إليه قال الكسائي والفراء : لا يكون الإهراع إلا إسراعا مع رعدة ، قال ابن الأنباري : الإهراع فعل واقع بالقوم ، وهو لهم في المعنى ، كما قالت العرب : قد أولع الرجل بالأمر فجعلوه مفعولا وهو صاحب الفعل ، ومثله : " أرعد زيد " و " سهي عمرو " من السهو ، كل واحد من هذه الأفاعيل خرج الاسم معه مقدرا تقدير المفعول ، وهو صاحب الفعل لا يعرف له فاعل غيره .

          قوله تعالى : ومن قبل أي مجيء الأضياف كانوا يعملون السيئات فقال لوط : هؤلاء بناتي يعني النساء ولكونهن من أمته صار كالأب لهن أطهر لكم أي أحل فاتقوا الله أي احذروا عقوبته ولا تخزون في ضيفي أي لا تفعلوا بهم فعلا يوجب حيائي أليس منكم رجل رشيد فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق أي من حاجة وإنك لتعلم ما نريد أي إنما نريد الرجال لا النساء ، قال : لو أن لي بكم قوة أي جماعة أقوى بهم عليكم أو آوي إلى ركن شديد أي [ ص: 129 ] إلى عشيرة منيعة ، وإنما قال هذا لأنه كان قد أغلق بابه وهم يعالجون الباب ويرومون تسور الجدار ، فلما رأت الملائكة ما يلقى من الكرب قالوا يا لوط إنا رسل ربك فافتح الباب ودعنا وإياهم ، ففتح الباب ودخلوا .

          واستأذن جبريل ربه عز وجل في عقوبتهم فأذن له فضرب بجناحه وجوههم فأعماهم فانصرفوا يقولون : النجاء النجاء ، إن في دار لوط أسحر قوم في الأرض ، وجعلوا يقولون : يا لوط كما أنت حتى تصبح ، يوعدونه ، فقال لهم لوط : متى موعد هلاكهم ؟ قالوا : الصبح ، قال لو أهلكتموهم الآن ؟ فقالوا : أليس الصبح بقريب .

          ثم قالت له الملائكة : فأسر بأهلك . فخرج بامرأته وابنتيه وأهله وبقره وغنمه بقطع من الليل أي ببقية تبقى من آخره .

          وأوحى الله تعالى إلى جبريل : تول هلاكهم ، فلما طلع الفجر غدا عليهم جبريل عليه السلام فاحتمل بلادهم على جناحه ، وكانت خمس قرى أعظمها سدوم ، في كل قرية مائة ألف ، فلم ينكسر في وقت رفعهم إناء ، ثم صعد بهم حتى خرج الطير في الهواء لا يدري أين يذهب وسمعت الملائكة نباح كلابهم ، ثم كفأها عليهم وسمعوا وجبة شديدة ، فالتفتت امرأة لوط فرماها جبريل بحجر ، فقتلها ، ثم صعد حتى أشرف على الأرض ثم جعل يتبع مسافرهم ورعاتهم ومن تحول عن القرية ، فرماهم بالحجارة حتى قتلهم ، وكانت الحجارة من سجيل ، قال أبو عبيدة : هو الشديد الصلب من الحجارة مسومة أي معلمة قال ابن عباس : كان الحجر أسود وفيه نقطة بيضاء .

          وقال الربيع : كان على كل حجر منها اسم صاحبه ، وحكى عن من رآها قال : كانت مثل رؤوس الإبل ومثل قبضة الرجل .

          وما هي من الظالمين ببعيد تخويف للمخالفين .

          أخبرنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ملعون من عمل عمل قوم لوط .

          [ ص: 130 ] وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مات من أمتي يعمل عمل قوم لوط نقله الله إليهم حتى يحشره معهم .

          فلتحذر مغبة الخطايا والذنوب فإنها بصاحبها إلى الغضب تؤوب ، الحذر الحذر من علام الغيوب .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية