الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          [ ص: 162 ] المجلس الثالث عشر

          في قصة أيوب عليه السلام

          الحمد لله الذي ابتعث بلطفه السحاب ، فروى الأودية والهضاب ، وأنبت الحدائق وأخرج الأعناب ، وألبس الأرض نباتا أحسن من ثياب العناب ، يبتلي ليدعى وإذا دعي أجاب قضى على آدم بالذنب ثم قضى أن تاب ، ورفع إدريس بلطفه إلى أكرم جناب ، وأرسل الطوفان وكانت السفينة من العجاب ، ونجى الخليل من نار شديدة الالتهاب ، وكان سلامة يوسف عبرة لأولي الألباب ، وشدد البلاء على أيوب ففارقه الأهل والأصحاب ، وعضه البلاء إلى أن كل الظفر والناب ، فنادى مستغيثا بالمولى فجاء الجواب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب .

          أحمده حمد من أخلص وأناب ، وأصلي على رسوله أفضل نبي نزل عليه أفضل كتاب ، وعلى صاحبه أبي بكر مقدم الأصحاب ، وعلى الفاروق عمر بن الخطاب ، وعلى عثمان شهيد الدار وقتيل المحراب ، وعلى علي المهيب وما سل سيفا بعد من قراب ، وعلى عمه العباس المقدم نسبه على الأنساب .

          قال الله عز وجل : واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب أيوب اسم أعجمي ، وهو أيوب بن أموص بن رزاح بن العيص ابن إسحاق بن إبراهيم ، وأبوه ممن آمن بالخليل يوم أحرق ، وأمه بنت لوط النبي عليه السلام ، وكان أيوب في زمن يعقوب عليه السلام ، فتزوج ابنة يعقوب وكان غزير المال كثير الضيافة ، وكان إبليس لا يحجب يومئذ من السماوات ، فسمع تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب فحسده فقال : يا رب لو صدمت أيوب بالبلاء لكفر ، فسلطني عليه .

          فقال : قد سلطتك على ماله وولده ، فجمع إبليس جنوده فأرسل بعضهم إلى دوابه وبعضهم إلى زرعه وبعضهم إلى أولاده ، وكان له ثلاثة عشر ولدا ، وقال إبليس لأصحابه : تابعوه المصائب بعضها إثر بعض ، فجاء صاحب الزرع فقال : يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى زرعك نارا فأحرقته ، وقال : راعي الإبل : ألم تر إلى ربك أرسل غددا فذهبت بالإبل ، وقال كذلك صاحب البقر والغنم ، فقال : الحمد لله الذي رزقني وقبله مني ، [ ص: 163 ] وتفرد إبليس لبنيه فجمع أركان البيت فهدمه عليهم وجاء فقال : يا أيوب إن البيت وقع على بنيك ، فلو رأيت كيف اختلطت دماؤهم ولحومهم بطعامهم وشرابهم ، فقال : لو كان فيك خير لقبضك معهم ، فانصرف خائبا ، فقال : يا رب سلطني على جسده ، فسلط فنفخ تحت قدميه نفخة فقرح بدنه .

          قال مجاهد : أول من أصابه الجدري أيوب ، وقال وهب : كان يخرج عليه مثل ثدايا النساء ثم يتفقأ ، قال العلماء : لم يبق منه إلا اللسان للذكر والقلب للمعرفة ، وكان يرى معاه وعروقه وعظامه ، ووقعت به حكة لا يملكها ، فحك بأظفاره فسقطت ، ثم بالمسوح ثم بالحجارة وأنتن جسمه وتقطع وأخرجه أهل القرية فجعلوا له عريشا على كناسة ، ورفضه الخلق سوى زوجته رحمة بنت أفراييم بن يوسف بن يعقوب ، فكانت تختلف إليه بما يصلحه .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية