الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على قوله تعالى :

          ما عندكم ينفد وما عند الله باق


          يا كثير الخلاف يا عظيم الشقاق ، يا سيئ الآداب ، يا قبيح الأخلاق ، يا قليل الصبر يا عديم الوفاق ، يا من سيبكي كثيرا إذا انتبه وفاق ، والتفت الساق بالساق ، أين من أنس بالدنيا ونسي الزوال ، أين من عمر القصور وجمع المال ، تقلبت بالقوم أحوال الأهوال ، كم أراك عبرة وقد قال سنريهم آياتنا في الآفاق .

          أين صديقك المؤانس ، أين رفيقك المجالس ، أين الماشي فقيرا وأين الفارس ، امتدت إلى الكل كف المخالس ، فنزلوا تحت الأطباق وكأن قد رحلت كما رحلوا ، ونزلت وشيكا حيث نزلوا ، وحملت إلى القبر كما حملوا ، إلى ربك يومئذ المساق .

          من لك إذا ألم الألم ، وسكت الصوت وتمكن الندم ، ووقع بك الفوت ، وأقبل لأخذ الروح ملك الموت ، وجاءت جنوده وقيل من راق .

          ونزلت منزلا ليس بمسكون ، وتعوضت بعد الحركات السكون ، فيا أسفا لك كيف [ ص: 183 ] تكون ، وأهوال القبر لا تطاق ، وفرق مالك وسكنت الدار ، ودار البلاء فما دار إذ دار ، وشغلك الوزر عمن هجر وزار ، ولم ينفعك ندم الرفاق .

          أما أكثر عمرك قد مضى ، أما أعظم زمانك قد انقضى ، أفي أفعالك ما يصلح للرضا ، إذا التقينا يوم التلاق ، يا ساعيا في هواه تصور رمسك ، يا موسعا إلى خطاه تذكر محبسك ، يا مأسورا في سجن الشهوات خلص نفسك قبل أن تعز السلامة وتعتاق الأعناق ، وينصب الصراط ويوضع الميزان ، وينشر الكتاب يحوي ما قد كان ، ويشهد الجلد والملك والمكان والنار الحبس والحاكم الخلاق ، فحينئذ يشيب المولود ، وتخرس الألسن وتنطق الجلود وتظهر الوجوه بين بيض وسود ، يوم يكشف عن ساق ، فبادر قبل أن لا يمكن ، وحاذر قبل أن يفوت الممكن ، وأحسن قبل أن لا تحسن ، فاليوم البرهان وغدا السباق .

          فانتهب عمرا يفنى بالمساء والصباح ، وعامل مولى يجزل العطايا والأرباح ، ولا تبخل فقد حث على السماع ما عندكم ينفد وما عند الله باق .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية