الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          ألا يا غافلا يحصى عليه من العمل الصغيرة والكبيره     يصاح به وينذر كل يوم
          وقد أنسته غفلته مصيره     تأهب للرحيل فقد تدانى
          وأنذرك الرحيل أخ وجيره     وأنت رخي بال في غرور
          كأن لم تقترف فيها صغيره     وكم ذنب أتيت على بصيره
          وعينك بالذي تأتي قريره     تحاذر أن تراك هناك عين
          وإن عليك للعين البصيره     وكم حاولت من أمر عظيم
          منعت برحمة منه وخيره     وكم من مدخل لو مت فيه
          لكنت به نكالا في العشيره     وقيت السوء والمكروه فيه
          ورحت بنعمة فيه ستيره     وكم من نعمة لله تمسي
          وتصبح ليس تعرفها كثيره



          يا من بين يديه الموت والحساب ، والتوبيخ الشديد والعتاب ، وعليه بأفعاله وأقواله كتاب ، وقد أذنب كثيرا غير أنه ما تاب ، وكلما عوتب خرج من باب إلى باب ، إلى متى هذا الجهل وإلام هذا العاب ، ما أظنك حاضرا عدوك فيمن غاب .


          أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم     فكيف يطيق النوم حيران هائم



          ألست الذي دمت على الخطايا وعصيت ، وبارزت بالقبيح وما استحييت ، وعلمت تحريم الذنب ثم أتيت ، وعرفت عظيم الجزاء وتناسيت ، ستكف منك الخمس بعد الحركة واللمس ، وسيذهب اليوم كما ذهب أمس ، وسيبدل النطق بالسكوت والهمس ، وستعدم نور القمر وضوء الشمس ، وسيقلع البستان وييبس الغرس ، وقد قرب وقت الغمس في بحر الرمس ، وسينسى ذو العلم الدرس بالدرس :

          [ ص: 425 ]

          لا تلبس الدهر على غرة     فما لموت الحي من بد
          ولا يخادعك طويل البقا     فتحسب الطول من الخلد
          ينفد ما كان له آخر     ما أقرب المهد من اللحد



          يا من ينصح وليس منه إلا الإباء ، أين الأجداد أين الآباء ، أين الإخوان أين الأقرباء ، أدرك القوم بعد القهر السباء ، فبكى لسوى منقلبهم الغرباء ، تالله لقد قامت بالمواعظ الخطباء ، ولقد أذنت برحيل الجيش النقباء ، ولكن قد عمت الغفلة والغباء ، وكأن قد كفت عن الدواء الأطباء ، وهل مرض القلوب إلا حب الدنيا ، فعلى الدنيا العفاء :


          أقل قليلها يكفيك منها     ولكن لست تقنع بالقليل
          ومن هذا الذي يبقى وتبقى     مضاربه بمدرجة السيول



          ويحك أنت في القبر محصور إلى أن ينفخ في الصور ، ثم راكب أو مجرور ، حزين أو مسرور ، مطلق أو مأسور ، فما هذا اللهو والغرور . الحازم من تزود لما به قبل أن يصير لمآبه .

          إخواني إنكم تغدون وتروحون في آجال قد غيبت عنكم ، فانظروا لخلاصكم قبل انقضاء أعماركم ، الوحا الوحا ، فالطالب حثيث ، تذكروا تلك الصرعة بين الأهل وهم لا يقدرون على ضر ولا نفع ، والله ما بات عاقل قط إلا على فراش حذر ، إنما هو دبيب من سقم ثم تؤخذون بالكظم ، فإن زلت القدم لم ينفع ندم ، وإلا توبة تنال ولا عثرة تقال ولا فداء بمال .


          أأغفل والدهر لا يغفل     وأنسى الذي شأنه أعضل
          ويطمعني أنني سالم     وداء السلامة لي أقتل
          ويمضي نهاري وليلي معا     بما غيره الأحسن الأجمل
          وآمل أني أفوت الحمام     أمان لعمرك لي ضلل
          وكيف يرى آخر أنه     سيبقى وقد هلك الأول
          فحتى متى أنا لا أرعوي     وكم ذا أقول ولا أفعل
          أيا ذاهلا ونداء الحتوف     في الناس توقظ من يذهل
          ألا أين أهل النعيم العزيز     وأين الأجالد والبزل
          تناولهم من قلال القصور     فأهلكهم مزعج معجل



          قل للذين أعرضوا عن الهدى فما تبعوا ، وخوفوا يوم الردى فما ارتدعوا ، وسمعوا المواعظ فكأنهم ما سمعوا ، تقلبوا كيف شئتم وما شئتم فاصنعوا .

          [ ص: 426 ]

          غدا توفى النفوس ما كسبت     ويحصد الزارعون ما زرعوا
          إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم     وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا



          لله در أقوام بادروا الأعمال واستدركوها ، وجاهدوا النفوس حتى ملكوها ، وتأهبوا لسبيل التوبة ثم سلكوها ، وعرفوا عيوب العاجلة فتركوها ، استعمالهم الأدب في جمادى كرجب .

          يا هذا إذا هممت بخير فبادر هواك لئلا تغلب ، وإذا هممت بشر فسوف هواك لعلك تغلب .

          الحكمة نور الفطرة ، والصواب فرع الروية ، والتدبير قيمة الهمة ، والهوى ضد الحزم ، ثقف نفسك بالآداب قبل صحبة الملوك ، فإن سياسة الأخلاق مراقي المعالي ، قال بزرجمهر : أخذت من كل شيء أحسن ما فيه حتى من الكلب والغراب والهرة . قيل : وما أخذت من الكلب ؟ قال : ذبه عن حريمه وإلفه لأهله . قيل : فمن الهرة ؟ قال : رفقها عند المسألة ولين صياحها . قيل : فمن الغراب ؟ قال : شدة حذره .

          يا هذا صن حياة عقلك عن مخالطة غوغاء نفسك ، من طلب المعالي استقبل العوالي ، من لازم الرقاد فاته المراد ، من دام كسله خاب أمله .


          من صغرت نفسه فهمته     أبلغ في قصده من المحن
          وقل ما التذ بالسرور فتى     لم يجنه من عواقب الحزن



          لولا سخط نفس أبي بكر عليه لمفارقة هواها ما نال مرتبة " أنا عنك راض " لولا عري أويس ما لبس حلة " يشفع في مثل ربيعة ومضر " .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية