الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          لا ترقدن لعينك السهر وانظر إلى ما تصنع الغير     انظر إلى عبر مصرفة
          ما دام يمكن طرفك النظر     ما زلت تسمع أو ترى عبرا
          إن لا يخنك السمع والبصر     فإذا جهلت ولم تجد أحدا
          فسل الزمان فعنده الخبر     وإذا نظرت تريد معتبرا
          فانظر إليك ففيك معتبر     أنت الذي تمسي وتصبح في الـ
          ـدنيا وكل أموره غرر     أنت المصرف كان في صغر
          ثم استقل بشخصه الكبر     أنت الذي تنعاه خلقته
          ينعاه منه الشعر والبشر     أنت الذي تعطى وتسلب لا
          ينجيه من أن يسلب الحذر     أنت الذي لا شيء منه له
          وأحق منك بمالك القدر     والحادثات صروفها عجب
          والعيش فيه الصفو والكدر     يبغي بنو الدنيا عمارتها
          وليخربن جميع ما عمروا     عجبا من الدنيا ومن عبر الد
          نيا وكيف تصرف الغير     ما زلت مذ صورت في سفر
          وستنقضي وسينقضي السفر     يا من يؤمل أنت منتظر
          أملا يطول ولست تنتظر     ماذا تقول وأنت في غصص
          ماذا تقول وأنت محتضر     ماذا تقول وقد وضعت على
          ظهر السرير وأنت تبتدر     ماذا تقول وأنت في جدث
          ماذا تقول وفوقك المدر     
          ماذا تقول وقد لحقت بما     يجري عليه الريح والمطر
          [ ص: 534 ] نبغي البقاء ولا بقاء لنا     تتعاور الروحات والبكر
          كم قد عفت عين لها أثر     درست ويدرس بعدها الأثر

          الدنيا معبر فاقنع باليسير ، وليكن همك في الرحيل والمسير ، كم من جامع لها فرقته، ومن محب لها أهلكته ومزقته ، من قنع بالبلغة فيها سلم ، ومن أكثر منها أسف وندم .


          عليك بتقوى الله واقنع برزقه     فخير عباد الله من هو قانع
          ولا تهلك الدنيا ولا طمع لها     فقد يهلك المغرور فيها المطامع
          صبرا على نوبات ما ناب واعترف     فما يستوي حر صبور وجازع
          أعاذل ما يغني الثراء عن الفتى     إذا حشرجت بالنفس منه الأضالع

          مر أبو حازم رحمه الله بجزار فقال : يا أبا حازم خذ من هذا اللحم ، فقال : ليس معي درهم ، فقال : أنا أنظرك ، فقال : أنا أنظر نفسي .

          وقال بكر بن عبد الله : يكفيك من الدنيا ما قنعت به .

          كان ابن السماك رحمه الله يقول :


          إني أرى من له قنوع     يعدل من نال ما تمنى
          والرزق يأتي بلا عناء     وربما فات من تعنى

          كان وهب بن منبه يعظ عطاء الخراساني ويقول له : ألم أخبر أنك تأتي الملوك وتحمل علمك إليهم ؟ يا عطاء ارض بالدون من الدنيا مع الحكمة ولا ترض بالدون من الحكمة مع الدنيا ، ويحك يا عطاء إن كان يغنيك ما يكفيك فإن أدنى ما في الدنيا يكفيك ، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس من الدنيا شيء يكفيك .


          نصف القنوع وأينا يقنع     أو أينا يرضى بما يجمع
          لله در ذوي القناعة ما     أصفى معاشهم وما أوسع
          من كان يبغي أن يلذ وأن     تهدى جوارحه فما يطمع
          فقر النفوس بقدر حاجتها     وغنى النفوس بقدر ما تقنع

          عري أويس رحمة الله عليه حتى جلس في قوصرة ، وقدم بشر الحافي من عبادان ليلا وهو متزر بحصير ، وكان أبو معاوية الأسود يلتقط الخرق من المزابل ويغسلها ويلفقها فيقال له : إنك تكسي خيرا من هذا فيقول : ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا جبر الله تعالى لهم بالجنة كل مصيبة .

          وأتي إبراهيم بن أدهم بستين ألفا فردها وقال : كرهت أن أمحو اسمي من ديوان الفقراء .

          [ ص: 535 ]

          رأت عدتي فاستراثت رحيلي     سبيلك إن سواها سبيلي
          ترجي قفولي لها في الثوي     لعل المنية قبل القفول
          لقد قذفت بي صعب المرام     واستجملت لي غير الجميل
          سأقني العفاف وأرضى الكفاف     وليس غنى النفس جور الخليل
          ولا أتصدى لمدح الجواد     ولا أستعد لمدح البخيل
          وأعلم أن ثياب الرجاء     تحل العزيز محل الذليل
          وأن ليس مستغنيا بالكثير     من ليس مستغنيا بالقليل

          كتب حكيم إلى أخ له : أما بعد فاجعل القنوع ذخرا ولا تعجل على ثمرة لم تدرك ، فإنك تدركها في أوانها عذبة ، والمدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح لما تؤمل فثق بخيرته لك في أمورك كلها .

          أخبرنا محمد بن عمر الفقيه بسنده عن يحيى بن عروة بن أذينة قال : لما أتى أبي وجماعة من الشعراء هشام بن عبد الملك فأنشدوه فلما عرف أبي قال : ألست القائل :


          لقد علمت وما الإسراف من خلقي     أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
          أسعى له فيعنيني تطلبه     ولو قعدت أتاني لا يعنيني

          فهلا جلست في بيتك حتى يأتيك ؟ فسكت أبي ولم يجبه فلما خرجوا من عنده جلس أبي على راحلته حتى أتى المدينة وأمر هشام بجوائزهم فقعد أبي فسأل عنه فلما خبر بانصرافه قال : لا جرم والله ليعلمن أن ذلك سيأتيه ، ثم أضعف له ما أعطى واحدا من أصحابه وكتب له فريضتين .


          إذا ضن من ترجو عليك بنفعه     فدعه فإن الرزق في الأرض واسع
          ومن كانت الدنيا مناه وهمه     سباه المنى واستعبدته المطامع
          ومن عقل استحيى وأكرم نفسه     ومن قنع استغنى فهل أنت قانع

          التالي السابق


          الخدمات العلمية