الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          قوله تعالى : وبوأكم في الأرض أي أنزلكم تتخذون من سهولها قصورا السهل : ضد الحزن ، والقصر : ما شيد وعلا من المنازل .

          قال ابن عباس رضي الله عنهما : اتخذوا القصور في سهول الأرض للصيف ونقبوا في الجبال للشتاء .

          قال وهب بن منبه : كان الرجل منهم يبني البنيان فيمر عليه مائة سنة ، فيخرب ، ثم يجدده فيمر عليه مائة سنة فيخرب ، فأضجرهم ذلك ، فاتخذوا من الجبال بيوتا .

          قال علماء السير : لم يلتفتوا إلى قول صالح واحتالوا على قتله ، فذلك قوله تعالى : لنبيتنه وأهله وقعدوا في أصل جبل ينتظرونه ، فوقع الجبل عليهم فهلكوا ، ثم أقبل قوم منهم يريدون قتل الناقة فقال لهم صالح : ناقة الله وسقياها أي احذروا ناقة الله وشربها من الماء ، فكمن لها قاتلها وهو قدار بن سالف في أصل شجرة فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ، ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها ، ثم نحرها .

          وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا من العذاب ، فقال لهم صالح : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام .

          قال [المفسرون] : لما عقروها صعد فصيلها إلى الجبل فرغا ثلاث مرات ، فقال صالح : لكل رغوة أجل يوم ، إلا إن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة ، واليوم الثاني محمرة ، واليوم الثالث مسودة ، فلما أصبحوا في اليوم الأول إذا وجوههم مصفرة ، فصاحوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب ، فلما أصبحوا في اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة ، فضجوا وبكوا ، فلما أصبحوا في اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة ، كأنما طليت بالقار ، فصاحوا بأجمعهم : ألا قد حضركم الموت ، فتكفنوا وألقوا أنفسهم بالأرض لا يدرون من أين يأتيهم العذاب .

          [ ص: 83 ] فلما أصبحوا في اليوم التالي أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة فتقطعت قلوبهم في صدورهم .

          وقال مقاتل : حفروا لأنفسهم قبورا ، فلما ارتفعت الشمس من اليوم الرابع ولم يأتهم العذاب ظنوا أن الله قد رحمهم ، فخرجوا من قبورهم يدعو بعضهم بعضا ، فقام جبريل عليه السلام فوق المدينة فسد ضوء الشمس ، فرجعوا إلى قبورهم ، فصاح بهم صيحة عظيمة : موتوا عليكم اللعنة ، فماتوا وزلزلت بيوتهم فوقعت عليهم فدمدم عليهم ربهم أي أطبق عليهم العذاب .

          ولما مر النبي صلى الله عليه وسلم على ديارهم قال : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين .

          اعتبروا إخواني بهؤلاء الهالكين ، وانظروا سوء تدبير الخاسرين ، لا بالناقة اعتبروا ، ولا لتعويضهم اللبن شكروا ، وعتوا عن النعم وبطروا ، وعموا عن الكرم فما نظروا ، وأوعدوا بالعذاب فما حذروا ، كلما رأوا آية من الآيات كفروا .

          الطبع الخبيث لا يتغير ، والمقدر ضلاله لا يزال يتحير ، خرجت إليهم ناقة من أحسن النعم ، ودر لبنها لهم فتواترت النعم فكفروا وما شكروا ، فأقبلت النقم .

          أعاذنا الله وإياكم من الكفران ، وحفظنا من موجبات الخسران ، إنه إذا لطف صان .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية