الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          قوله تعالى : يدعون ربهم المراد بهذا الدعاء خمسة أقوال : أحدها : أنه الصلاة المكتوبة . قاله ابن عمر وابن عباس . والثاني : ذكر الله عز وجل . قاله النخعي . والثالث : عبادة الله عز وجل . قاله الضحاك . والرابع : تعلم القرآن غدوة وعشية . قاله أبو جعفر . والخامس : دعاء الله بالتوحيد والإخلاص وعبادته . قاله الزجاج .

          قوله تعالى : يريدون وجهه أي يريدونه بأعمالهم .

          كانوا يصبرون على المجاعة ، ويخلصون الطاعة ، ولا يضيعون ساعة ، فيا فخرهم إذا قامت الساعة .


          أخبرنا السجزي ، أخبرنا الدراوردي ، أنبأنا السرخسي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا يوسف بن عيسى ، حدثنا ابن فضيل ، عن أبيه ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : لقد رأيت سبعين رجلا من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته . انفرد بإخراجه البخاري .

          [ ص: 391 ] وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال : إن كنا لنفرح بيوم الجمعة ، كانت لنا عجوز تأخذ أصول السلق فتجعله في قدر لها وتجعل فيه حبات من شعير ، إذا صلينا زرناها فقربته إلينا .

          وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص قال : كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر .

          لله در أقوام أخلصوا الأعمال وحققوها ، وقيدوا شهواتهم بالخوف وأوثقوها ، وسابقوا الساعات بالطاعات فسبقوها ، وخلصوا أعمالهم من أشراك الرياء وأطلقوها ، وقهروا بالرياضة أغراض النفوس الردية فمحقوها ، فعن إبعاد مثلهم وقع نهي النبي ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي .

          صعدت صحائفهم من الأكدار ضافية ، وارتفعت أعمالهم بالإخلاص ضافية ، وأصبحت نفوسهم عن الدنيا متجافية ، والناس في أخلاط والقوم في عافية ، ففاق المولى منهم على الرئيس القرشي ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي .

          دموعهم بالأحداق محدقة ، ورؤوسهم في الأسحار مطرقة ، وأكفهم بما تسكبه في الخير منفقة ، ونفوسهم بعد الجد من اللوم مشفقة ، يردون من حياض المصافاة على أوفى الري يدعون ربهم بالغداة والعشي .

          خلصوا الأعمال من الأكدار نفلا وفرضا ، واجتهدوا في طاعة مولاهم ليرضى ، وحضوا أنفسهم لطلب الحظ الأحظ حضا ، وغضوا أبصارهم عن غض الشهوات غضا ، فإذا أبصرتهم رأيت أجسادا مرضى وعيونا قد ألفت السهر فما تكاد تطعم غمضا ، بادروا أعمارهم لعلمهم أنها ساعات تتقضى ، فأمدهم بالعون السرمدي يدعون ربهم بالغداة والعشي .

          ابتلاهم فرضوا وصبروا ، وأنعم عليهم فاعترفوا وشكروا ، وجاؤوا بكل ما يرضى ثم اعتذروا ، وجاهدوا العدو فما انقشعت الحرب حتى ظفروا ، فنالوا غاية الإمكان في المكان العلي يدعون ربهم بالغداة والعشي .


          لله در أناس أخلصوا العملا على اليقين ودانوا بالذي أمروا [ ص: 392 ]     أولاهم نعما فازداد شكرهم
          ثم ابتلاهم فأرضوه بما صبروا     وفوا له ثم وافوه بما عملوا
          إذا سيوفيهم يوما إذا نشروا



          قال سعد بن أبي وقاص : لقيت عبد الله بن جحش يوم أحد فقال : يا سعد ألا تدعو الله عز وجل ؟ فدعا عبد الله فقال : يا رب إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه أقاتله فيك ويقاتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني ، فإذا لقيتك غدا قلت : يا عبد الله من جدع أنفك وأذنك ؟ فأقول : فيك وفي رسولك . فتقول : صدقت .

          قال سعد : فلقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقتان في خيط .

          وأقبل مصعب بن عمير يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قطعة من نمرة قد وصلها بإهاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد رأيت هذا وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه ، ثم أخرجه من ذلك الرغبة في حب الله ورسوله .

          ولما كان يوم أحد كان معه لواء المهاجرين ، فضربه ابن قمئة فقطع يده ، ومصعب يقول : " وما محمد إلا رسول " فأخذ اللواء بيده اليسرى وحنى عليه فضرب يده اليسرى فقطعها ، فحنى على اللواء وهو يقول : " وما محمد إلا رسول " فقتل ولم يوجد له كفن إلا نمرة كانوا إذا وضعوها على رأسه خرجت رجلاه ، وإذا وضعوها على رجليه خرج رأسه ، فجعلوا على رجليه شيئا من الإذخر .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية