الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          أيها السكران بالآ مال قد حان الرحيل     ومشيب الرأس والفو
          دين للموت دليل     فانتبه من رقدة الغفـ
          ـلة فالعمر قليل     واطرح سوف وحتى
          فهما داء دخيل

          يا من صبح شيبه بعد ليل شبابه قد تبلج ، ونذيره قد حام حول حماه وعرج ، كأنك بالموت قد أتى سريعا وأزعج ، ونقلك عن دار أمنت مكرها وأخرج ، وحملك على خشونة النعش بعد لين الهودج ، وأفصح بهلاكك وقد طال ما مجمج ، وأفقرك إلى قليل من الزاد وأحوج ، يا لاهيا في دار البلاء ما أقبح فعلك وما أسمج ، ويا عالما نظر الناقد وبضاعته كلها بهرج ، ويا غافلا عن رحيله سلب الأقران أنموذج .

          [ ص: 84 ]

          سيقطع ريب الدهر بين الفريقين     لكل اجتماع فرقة من يد البين
          وكل يقضي ساعة بعد ساعة     تخاتله عن نفسه ساعة الحين
          وما العيش إلا يوم موت له غد     وما الموت إلا رقدة بين يومين
          وما الحشر إلا كالصباح إذا انجلى     يقوم له اليقظان من رقدة العين
          فيا عجبا مني ويا طول غفلتي     أؤمل أن أبقى وأنى ومن أين

          يا من يبارز مولاه بما يكره ، ويخالفه في أمره آمنا مكره ، وينعم عليه وهو ينسى شكره ، والرحيل قد دنا وما له فيه فكرة ، يا من قبائحه ترفع عشيا وبكرة ، يا قليل الزاد ما أطول السفرة ، والنقلة قد دنت والمصير الحفرة ، متى تعمل في قلبك المواعظ ، متى تراقب العواقب وتلاحظ ، أما تحذر من أوعد وهدد ، أما تخاف من أنذر وشدد ، متى تضطرم نار الخوف في قلبك وتتوقد ، إلى متى بين القصور والتواني تتردد ، متى تحذر يوما فيه الجلود تشهد ، متى تترك ما يفنى رغبة فيما لا ينفد ، متى تهب بك ريح الخوف كأنك غصن يتأود ، البدار البدار إلى الفضائل ، والحذار الحذار من الرذائل ، فإنما هي أيام قلائل :


          اغتنم في الفراغ فضل ركوع     فعسى أن يكون موتك بغتة
          كم صحيح رأيت من غير سقم     ذهبت نفسه السليمة فلتة

          حج مسروق فما نام إلا ساجدا ، وكان مجير بن الربيع يصلي حتى ما يأتي فراشه إلا حبوا .


          اغتنم ركعتين زلفى إلى اللـ     ـه إذا كنت فارغا مستريحا
          وإذا ما هممت أن تفعل البا     طل فاجعل مكانه تسبيحا

          يا سكران الهوى وإلى الآن ما صحا ، يا مفنيا زمانه الشريف لهوا ومرحا ، يا معرضا عن لوم من لام وعتب من لحا متى يعود هذا الفاسد مصلحا ، متى يرجع هذا الهالك مفلحا .

          لقد أتعبت النصحاء الفصحاء ، أما وعظت بما يكفي ، أما رأيت من العبرة ما يشفي ، فانظر لنفسك قبل أن يعمى الناظر ، وتفكر في أمرك بالقلب الحاضر ، ولا تساكن الفتور فإنك إلى مسكن القبور صائر ، فالحي للممات ، والجمع للشتات والأمر ظاهر .


          عاص الهوى إن الهوى مركب     يصعب بعد اللين منه الذلول
          إن يجلب اليوم الهوى لذة     ففي غد منه البكا والعويل
          ما بين ما يحمد فيه وما     يدعو إليه الذم إلا القليل

          التالي السابق


          الخدمات العلمية