الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          تعلقت بآمال طوال أي آمال     وأقبلت على الدنيا
          ملحا أي إقبال     فيا هذا تجهز لـ
          ـفراق الأهل والمال     فلا بد من الموت
          على حال من الحال

          متى تفيق من هذا المرض المراض ، متى تستدرك هذه الأيام الطوال العراض ، يا غافلا عن سهام الموت الحداد المواض ، تالله لقد أصاب السهم من قبل الأنباض ، ولقد آن [ ص: 265 ] لجمع الحياة الشتات والانفضاض ، وحان لبنيان السلامة الخراب والانتقاض ، وحق للمقرض أن يطالب المقرض بالإقراض ، ودنا من مبسوط الآمال الاجتماع والانقباض ، أما الأعمار كل يوم في انقراض ، لقد نهت قبل شكة السهم صكة المقراض ، أما ترى الراحلين ماضيا خلف ماض ، كم بنيان ما تم حتى تم مأتم وهذا قد استفاض ، كم حط ذو خفض على رغم في رغام وانخفاض ، انهض بجدك والعاقل ناهض قبل الإنهاض ، إن الموت إليك كما كان لأبويك في ارتكاض ، إن لم تقدر على مشارع الصالحين رد باقي الحياض ، إن لم تكن بنت لبون فلتكن بنت مخاض ، إلى متى وحتى أتعبت الرواض ، أما لك أنفة من هذا التوبيخ ولا امتعاض ، كما بنى نصيحك نقضت وما يعلو بناة مع نقاض ، يا من باع نفسه بلذة ساعة بيعا عن تراض ، لبئس ما لبست أتدري ما تعتاض ، يا علة لا كالعلل ويا مرضا لا كالأمراض ، إنما تجزى بقدر عملك عند أعدل قاض .


          قصرك الشيب فاقض ما أنت قاض     ببدار من قبل حين البياض
          إن شرخ الشباب قرض الليالي     فتصرف فيه قبل التقاضي

          العاقل من راقب العواقب ، والجاهل من مضى قدما ولم يراقب ، أين لذة الهوى زالت وكأنها لم تكن إذ حالت ، أين الذين بروا أقلام المنى وقطوا ، وكتبوا صكاك الآمال وخطوا ، وتحكموا في بلوغ الأغراض واشتطوا ، وانفردوا بما جمعوا فخزنوا ولم يعطوا ، علوا على عال وما أسرع ما انحطوا ، وسارت بهم مطايا الرحيل تخذي بهم وتمطو .


          فكم من صحيح بات للموت آمنا     أتته المنايا بغتة بعدما هجع
          فلم يستطع إذ جاءه الموت فجأة     فرارا ولا منه بقوته امتنع
          فأصبح تبكيه النساء مقنعا     ولا يسمع الداعي وإن صوته رفع
          وقرب من لحد فصار مقيله     وفارق ما قد كان بالأمس قد جمع

          يا حريصا على الدنيا مضى عمرك في غير شيء ، انقشع غيم الزمان لا عن هلال الهدى ، ما لذت لذة الدنيا إلا لكافر لا يؤمن بالآخرة ، أو لقليل العقل لا ينظر في عاقبة ، الدنيا خراب وأخرب منها قلب من يعمرها ، إلى أي حين مع الصبا ، أما يكفي ما قد مضى ، إلى كم هذا الكرى أين التيقظ لحلول الثرى ، كم قد قتل قبلك المنى وإنما يفهم أولو النهى ، يا أسير رقاده ، يا مريض فساده ، يا معرضا عن رشاده ، يا من حب الدنيا في سواد سواده ، ما ينفعه النصح على كثرة ترداده ، سواء عليه ناداه أم لم يناده ، تالله لقد غمزتك الحوادث بسلب القرناء غمزا ، ولزك المتقاضي بالأجل لو فهمت لزا ، أما في كل يوم بمحبوب تعزى ، أما ترى الأسنة تعمل طعنا ووخزا ، أنا تشاهد مهندات السيوف تهز هزا ، أين من أوعد ووعد ، هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا .

          [ ص: 266 ]

          على ذا ما مضى وعليه نمضي     طوال منى وآجال قصار
          وأيام تعرفنا مداها     أما أنفاسنا فيها سفار
          ودهر ينثر الأعمار نثرا     كما للغصن بالورق انتثار
          ودنيا كلما وضعت جنينا     غذاه من نوائبها طوار
          هي العشواء ما خبطت هشم     هي العجماء ما جرحت جبار
          فمن يوم بلا أمس ليوم     بغير غد إليه بنا يسار

          التالي السابق


          الخدمات العلمية