الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          سجع على قوله تعالى :

          وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين


          أصحاب فهم ويقين ، أصحاب جد وتمكين ، أصحاب عز مكين ، أصحاب خوف ودين ، يتنزهون عن من يمين وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين .

          أصحاب ملك لا يزول ، أصحاب فخر لا يحول ، أصحاب تقديم ووصول ، أصحاب شرف بالقبول ، أصحاب تمكن في مقام أمين ما أصحاب اليمين .

          أصحاب قرب وحضور ، أصحاب عز ونور ، أصحاب جنان وقصور ، فيها حسان من الحور ، أصحاب مكنة ليس فيها قصور ، أصحاب مثمن ثمين وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين .

          قوله تعالى : في سدر مخضود السدر : شجرة النبق . والمخضود الذي لا شوك فيه . والطلح : الموز . قاله ابن عباس والحسن وعطاء ومجاهد ، فإن قيل : غير الطلح أحسن منه ؟ فالجواب : أن الصحابة رضي الله عنهم مروا بوج وهو واد بالطائف فأعجبهم سدره فقالوا : يا ليت لنا مثل هذا ، فنزلت هذه الآية ووعدهم ما يعرفون ويميلون إليه .

          والمنضود : قال ابن قتيبة : هو الذي قد نضد بالحمل أو بالورق والحمل من أوله إلى آخره ، فليس له ساق بارزة .

          سجع

          عباد طاعوا المعبود ، وأوصلوا الركوع والسجود ، وسألوا من يتفضل ويجود ، فوفر نصيبهم من الرفد المرفودفي سدر مخضود .

          وردوا إليه أكرم ورود ، وأمنوا في وصالهم عائق الصدود ، وأتعبوا الأعضاء في خدمته والجلود ، فمنحهم طيب العيش في جنات الخلود في سدر مخضود .

          تصافوا فاصطفوا في خدمته كالجنود ، واستلوا سيوف الجهاد من الغمود ، وقمعوا بالصدق العدو الكنود ، وأرغموا بسبقهم أنف الحسود ، فخصهم مولاهم بالفضل والسعود في سدر مخضود .

          طلبوا بالصدق الصادق الودود ، وسعوا إليه يسألون إنجاز الوعود ، وطمعوا في كرمه أن يتفضل ويعود ، وأسبلوا دموعهم من خشيته على الخدود ، فيا لنعيمهم وأطيب منه الخلود في سدر مخضود .

          [ ص: 209 ] شكروا من أخرجهم من العدم إلى الوجود ، وتفضل عليهم بكل خير وجود ، وعلموا أن الإخلاص هو المقصود ، فاستعدوا وأوعدوا لليوم المشهود في سدر مخضود .

          تمكنوا بالكتاب القديم ، وطلبوا من المنعم الكريم أن يعمهم بالفضل والتكريم ، فمن عليهم بالخير العميم ، فهم في الجنان في أحلى نعيم ، عند ملك كبير عظيم ، ليس بوالد ولا مولود في سدر مخضود وطلح منضود .

          أعد لهم أوفى الذخائر ، وهذب منهم البواطن والظواهر ، وجعلهم بين عباده كالنجوم الزواهر ، وبنى لهم الغرف باللؤلؤ والجواهر ، فهم في مجد كريم وسعد غير محدود في سدر مخضود وطلح منضود .

          استزارهم إلى جنته ، وخصهم بكرامته ، وأنعم عليهم برؤيته وجعلهم في حصن حصين من رعايته ، في ظل نعيم دائم ممدود في سدر مخضود وطلح منضود .

          طال ما حملوا تكليفه واستقلوا ، وسعوا إلى مراضيه فما ضلوا ، وتفيؤوا ظلال التوكل عليه واستظلوا ، ورضوا بقضائه صابرين فما ملوا ، وائتمنهم على الإيمان فما خانوا ولا غلوا ، وكفوا أكفهم في غير ثقة به وغلوا ، فعزوا بخدمته إذ لخدمته ذلوا ، فأثابهم نعيما ليس بمجدود ولا محدود في سدر مخضود وطلح منضود .

          مالوا إليه وتركوا المال ، وعلقوا بالطمع في فضله الآمال ، وأعرضوا عن الدنيا شغلا بالمآل ، وألفوا خدمته وهجروا الملال ، وراضوا أنفسهم بالفقر ورضوا بالإقلال ، وأنسوا بمناجاته ونسوا الآل ، فإذا تلقاهم مولاهم قال مرحبا بالوفود في سدر مخضود وطلح منضود .

          اللهم فاجعلنا من المتقين الأبرار ، وأسكنا معهم في دار القرار ، ولا تجعلنا من المخالفين الفجار ، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، يا من لم يزل ينعم ويجود . برحمتك يا أرحم الراحمين . والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله وصحبه .

          [ ص: 210 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية