الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على قوله تعالى :

          إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله


          قال المفسرون : نزلت هذه الآية من أجل النسيء الذي كانت العرب تفعله . والنسيء تأخير الشيء وكانت العرب تحرم الشهور الأربعة . هذا ما تمسكت به من ملة إبراهيم ، فربما احتاجوا إلى تحليل المحرم لحرب تكون بينهم فيؤخرون تحريم المحرم إلى صفر ثم يحتاجون إلى تأخير صفر ، ثم كذلك حتى تتدافع الشهور فيستدير التحريم على السنة ، فكانوا يستنسئون الشهر الحرام ويستقرضونه .

          قال الفراء : كانت العرب في الجاهلية إذا أرادوا الصدر من منى قام رجل من بني كنانة [ ص: 427 ] يقال له نعيم بن ثعلبة ، وكان رئيس الموسم فيقول : أنا الذي لا أعاب ولا أخاب ولا يرد لي قضاء . فيقولون : أنسئنا شهرا يريدون أخر عنا حرمة المحرم فاجعلها في صفر . فيفعل ذلك . وقال مجاهد : أول من أظهر النسيء جنادة بن عوف الكناني فوافقت حجة أبي بكر الصديق ذا القعدة ، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم في العام القابل في ذي الحجة فذلك حين قال : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض .

          أخبرنا عبد الأول ، أنبأنا الداودي ، أنبأنا ابن أعين ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن سلام ، أخبرنا عبد الوهاب ، أنبأنا أيوب ، عن محمد بن أبي بكرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان .

          أخرجاه في الصحيحين .

          قال العلماء : أعلم الله عز وجل بهذه الآية أن عدد شهور المسلمين التي يعدونها اثنا عشر شهرا على منازل القمر . وقوله : في كتاب الله أي في اللوح المحفوظ الذي كتبه الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم وإنما سماها حرما لمعنيين : أحدهما تحريم القتال فيها . والثاني : لتعظيم انتهاك الحرمات فيها .

          وقوله تعالى : ذلك الدين القيم قال ابن قتيبة : يعني الحساب الصحيح والعدد المستوي .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية