الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          [ ص: 323 ] المجلس الثامن والعشرون

          في فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

          الحمد لله الذي أحكم بحكمته ما فطر وبنى وقرب من خلقه برحمته ودنا ، ورضي الشكر من بريته لنعمته ثمنا ، وأمرنا بخدمته لا لحاجته بل لنا ، يغفر الخطايا لمن أسا وجنا ، ويجزل العطايا لمن كان محسنا ، بين لقاصديه سبيلا ، وسننا ووهب لعابديه جزلا يقتنى ، وأثاب حامديه ألذ ما يجتنى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا .

          أحمده مسرا للحمد ومعلنا ، وأصلي على رسوله محمد أشرف من تردد بين جمع ومنى ، وعلى صاحبه أبي بكر المتخلل بالعبا راضيا بالعنا ، وهو الذي أراد بقوله تعالى وعنى ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا وعلى عمر المجد في عمارة الإسلام فما ونى ، وعلى عثمان الراضي بالقدر وقد دخل بالفناء الفنا ، وعلى علي الذي إذا بالغنا في مدحه فالفخر لنا ، وعلى عمه العباس الذي أسس الله قاعدة الخلافة لبنيه وبنى .

          قال الله تعالى إلا تنصروه فقد نصره الله إلا تنصروه بالنفير معه فقد نصره الله أي أعانه على أعدائه إذ أخرجه الذين كفروا أي اضطروه إلى الخروج بقصدهم إهلاكه ثاني اثنين قال الزجاج : المعنى فقد نصره الله أحد اثنين ، أي نصره منفردا إلا من أبي بكر ، وهذا معنى قول الشعبي : عاتب الله أهل الأرض جميعا في هذه الآية غير أبي بكر .

          فأما الغار فهو النقب في الجبل . وهذا الغار في جبل ثور بمكة ، وكان المشركون يؤذون المسلمين ، فتجهز أبو بكر رضي الله عنه ليلحق بالمدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي .

          ثم خرجا إلى الغار فجعل أبو بكر يشق ثوبه ويسد الأثقاب ، فبقي ثقب فسده بعقبه .

          فمكثا ثلاث ليال في الغار ، فخرجت قريش تطلب الآثار ، فلما مروا بالغار رأوا نسج العنكبوت فقالوا : لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على الباب ،وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : أمر الله تعالى شجرة فنبتت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترته ، وأمر العنكبوت [ ص: 324 ] فنسجت وأمر حمامتين وحشيتين فوقعتا على فم الغار ، وقال مقاتل : جاء القائف فنظر إلى الأقدام فقال : هذا قدم ابن أبي قحافة والأخرى لا أعرفها ، إلا أنها تشبه القدم في المقام .

          إذ يقول لصاحبه يعني بالصاحب أبا بكر بلا خلاف .

          أخبرنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا ثابت ، عن أنس رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار : لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه ، فقال : " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " .

          أخرجاه في الصحيحين .


          أنا مولاي إمام ضحكت من ثنايا فضله آي الزمر     صدق المرسل إيمانا به
          ولحا في الله من كان كفر     ثم بالغار له منقبة
          خصه الله بها دون البشر     ثاني اثنين وقول المصطفى
          معنا الله لا تبدي الحذر

          التالي السابق


          الخدمات العلمية