الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          قوله تعالى : ولو شئنا لرفعناه بها في هاء الكناية قولان : أحدهما أنها تعود إلى الإنسان المذكور . قاله الجمهور . والثاني : إلى الكفر بالآيات ، فيكون المعنى : ولو شئنا لرفعنا عنه الكفر بآياتنا . روي عن مجاهد . ولكنه أخلد إلى الأرض أي ركن إلى الدنيا وسكن واتبع هواه أي انقاد إلى ما دعاه إليه الهوى .

          [ ص: 221 ] وهذه الآية من أشد الآيات على العلماء إذا مالوا عن العلم إلى الهوى .

          فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث المعنى : أن الكافر إن زجرته لم ينزجر ، وإن تركته لم يهتد ، كالكلب إن طرد كان لاهثا وإن ترك كان لاهثا .

          قال ابن قتيبة : كل لاهث إنما يكون من إعياء أو عطش إلا الكلب ، فإنه يلهث في حال راحته وحال كلاله ؛ وفي حال الري وحال العطش .

          قال المفسرون : زجر في منامه عن الدعاء على بني إسرائيل فلم ينزجر ، وخاطبه أتانه فلم ينته .

          وهذا رجل لم ينفعه علمه بل ضره . قال سفيان بن عيينة : العلم يضرك إذا لم ينفعك . وقال منصور بن زاذان : نبئت أن بعض من يلقى في النار يتأذى أهل النار بريحه فيقال له : ويحك ما كنت تعمل ؟ أما يكفينا ما نحن فيه من الشر حتى ابتلينا بك وبنتن ريحك ! فيقول : كنت عالما ولم أنتفع بعلمي .

          وكتب حكيم إلى حكيم : يا أخي قد أوتيت علما فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم !

          وكان عيسى بن مريم يقول : يا معاشر العلماء مثلكم مثل الدفلى يعجب ورده من نظر إليه ويقتل طعمه من أكله ، كلامكم دواء يبرئ الداء وأعمالكم داء لا يقبل الدواء ، والحكمة تخرج من أفواهكم وليس بينها وبين آذانكم إلا أربع أصابع ثم لا تعيها قلوبكم ! معشر العلماء كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به ولا يطلبه ليعمل به ، العلم فوق رؤوسكم والعمل تحت أقدامكم ، فلا أحرار كرام ولا عبيد أتقياء .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية