الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على قوله تعالى :

          قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم


          لما كسر الخليل الأصنام حملوه إلى نمرود ، فعزم على إهلاكه ، فقال رجل حرقوه ، قال شعيب الجبائي : خسفت الأرض بالذي قال حرقوه ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .

          وألقي الخليل في النار وهو ابن ست عشرة سنة ، قال علماء السير : حبسه نمرود ثم بنوا له حوالي سفح جبل منيف طول جداره ستون ذراعا ، ونادى منادي نمرود : أيها الناس احتطبوا لإبراهيم ، ولا يتخلفن عن ذلك صغير ولا كبير ، فمن تخلف ألقي في تلك النار .

          ففعلوا ذلك أربعين ليلة حتى إن كانت المرأة لتقول : إن ظفرت بكذا لأحتطبن لنار إبراهيم ، حتى إذا كان الحطب يساوي رأس الجدار قذفوا فيه النار فارتفع لهيبها ، حتى كان الطائر يمر بها فيحترق ، ثم بنوا بنيانا شامخا وبنوا فوقه منجنيقا .

          ثم رفعوا إبراهيم على رأس البنيان ، فرفع إبراهيم رأسه إلى السماء فقال : اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس في الأرض أحد يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل .

          ثم رمي به فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ فقال له : أما إليك فلا ، فقال جبريل : سل ربك ، فقال حسبي من سؤالي علمه بحالي .

          أخبرنا محمد بن أبي منصور ، حدثنا جعفر بن أحمد ، أنبأنا الحسن بن علي التميمي [ ص: 99 ] أنبأنا أبو بكر بن أحمد بن جعفر ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا شيبان ، حدثنا أبو هلال : قال حدثنا بكر ، قال لما ألقي إبراهيم في النار جأرت عامة الخليقة إلى ربها عز وجل فقالوا : يا رب ، خليلك يلقى في النار ، فأذن لنا أن نطفئ عنه ، فقال : هو خليلي وليس لي في الأرض خليل غيره ، وأنا ربه ليس له رب غيري ، فإن استغاث بكم فأغيثوه ، وإلا فدعوه ! .

          قال : فجاء ملك القطر فقال : يا رب خليلك يلقى في النار ، فأذن لي أطفئ عنه بالقطر ، فقال : هو خليلي ، ليس لي في الأرض خليل غيره ، وأنا ربه ليس له رب غيري ، فإن استغاث بك فأغثه وإلا فدعه ! .

          فلما ألقي في النار دعا ربه فقال الله تعالى : يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم فبردت يومئذ على أهل المشرق والمغرب فلم ينضج بها كراع .

          قال ابن عباس : لم يبق في الأرض يومئذ نار إلا طفئت ، ظنت أنها هي التي تعنى ، ولو لم يتبع بردها سلاما لمات إبراهيم من بردها .

          أخبرنا أبو بكر بن حبيب ، أنبأنا علي بن صادق ، أنبأنا أبو عبد الله الشيرازي حدثنا أبو العباس محمد بن الحسن الخشاب ، حدثنا أبو القاسم بن موسى ، حدثنا يعقوب بن إسحاق ، قال سمعت أحمد بن حنبل رضي الله عنه وقد سئل عن التوكل قال : هو قطع الاستشراف باليأس من الخلق ، قيل له : فما الحجة فيه ؟ قال : قصة الخليل ، لما وضع في المنجنيق مع جبريل عليهما السلام ، لما قال : أما إليك فلا ، فقال له : فسل من لك إليه الحاجة ، قال : أحب الأمرين إلي أحبهما إليه .

          قال علماء السير : لما ألقي في النار أخذت الملائكة بضبعيه وأجلسوه على الأرض ، فإذا عين من ماء عذب وورد أحمر ولم تحرق النار إلا وثاقه ، ونزل جبريل بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة فألبسه القميص وأجلسه على الطنفسة وقعد معه يحدثه ، فأقام هناك أربعين يوما ، فجاء آزر إلى نمرود فقال : ائذن لي أن أخرج عظام إبراهيم وأدفنها فخرج نمرود ومعه الناس ، فأمر بالحائط فنقب ، فإذا إبراهيم يمشي في روضة تهتز ونباتها يندى وعليه القميص وتحته الطنفسة ، والملك إلى جنبه والماء يجري في جبينه فناداه نمرود : يا إبراهيم إن إلهك الذي بلغت قدرته هذا لكبير ، هل تستطيع أن تخرج ؟ قال : نعم ، فقام إبراهيم يمشي حتى خرج ، فقال : من هذا الذي رأيت معك ؟ قال : ملك أرسله الله تعالى ليؤنسني ، فقال نمرود : إني مقرب إلى إلهك قربانا لما رأيت من قدرته فقال : إذا لا يقبل [ ص: 100 ] منك ما كنت على دينك ، فقال : يا إبراهيم لا أستطيع أن أترك ملكي ، ولكن سوف أذبح له ، فذبح أربعة آلاف بقرة وكف عن إبراهيم .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية