الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          نبني ونجمع والآثار تندرس ونأمل اللبث والأرواح تختلس     ذا اللب فكر فما في الخلد من طبع
          لا بد ما ينتهي أمر وينعكس     أين الملوك وأبناء الملوك ومن
          كانوا إذا الناس قاموا هيبة جلسوا     ومن سيوفهم في كل معركة
          تخشى ودونهم الحجاب والحرس     أضحوا بمهلكة في وسط معركة
          صرعى وماشي الورى من فوقهم يطس     وعمهم حدث وضمهم جدث
          باتوا وهم جثث في الرمس قد حبسوا     كأنهم قط ما كانوا وما خلقوا
          ومات ذكرهم بين الورى ونسوا     والله لو أبصرت عيناك ما صنعت
          يد البلى بهم والدود يفترس     لعاينت منظرا تشجى النفوس به
          وأبصرت نكرا من دونه النكس     من أوجه ناظرات حار ناظرها
          في رونق الحسن كيف تنطمس     وأعظم باليات ما بها رمق
          وليس تبقى وهذا وهي تنتهس     وألسن ناطقات زانها أدب
          ما شأنها شانها بالآفة الخرس     نكسهم ألسن للدهر فاغرة
          فاها فآها لهم إذ بالردى وكسوا     عروا عن الوشي لما ألبسوا حللا
          من الرغام على أجسادهم وكسوا     وصار لبس الصفايا من خلائلهم
          جون الثياب وقدما زانه الورس     حتام يا ذا النهى لا ترعوي سفها
          ودمع عينيك لا يهمي وينبجس

          [ ص: 567 ] يا غافلا عن نفسه أمرك عجيب ، يا قتيل الهوى داؤك غريب ، يا طويل الأمل ستدعى فتجيب ، وهذا عن قليل وكل آت قريب ، هلا تذكرت لحدك كيف تبيت وحدك ، ويباشر الثرى خدك ، وتقتسم الديدان جلدك ، ويضحك المحب بعدك ناسيا عنه بعدك ، والأهل مذ وجدوا المال ما وجدوا فقدك ، إلى متى وحتى متى تترك رشدك ، أما تحسن أن تحسن إلينا قصدك ، الأمر جد مجد فلازم جدك .


          ذهب الأحبة بعد طول تودد     ونأى المزار فأسلموك وأقشعوا
          خذلوك أفقر ما تكون لغربة     لم يؤنسوك وكربة لم يدفعوا
          قضي القضاء وصرت صاحب حفرة     عنك الأحبة أعرضوا وتصدعوا

          ووجد على قبر مكتوب :


          سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي     ويحدث بعدي للخليل خليل
          إذا انقطعت يوما من العيش مدتي     فإن غناء الباكيات قليل

          إلى متى هذا التخليط والموت بكم محيط ، أين الأخ والخليط بادرهما موت نشيط ، كيف يلهو هذا الشميط ، وله أسد مستشيط ، عليه وسخ وما يميط لا بل دم عبيط ، يا ربما انقبض النشيط ، تيقظ فكم هذا الغطيط ، اقبل نصحي واسمع من الوسيط ، يا ذا التحرك في الهوى لا بد له من سكون ، على هذا كانت الدنيا وعليه تكون ، لا يغرنك سهلها فبعد السهل حزون ، لا تنظر إلى فرحها فكل فرح محزون ، تأمل فعلها بغيرك فبغض المقبح يهون ، إن روحك دين الممات وستقضى الديون ، ما فرحها مستتم ولا ترحها مأمون ، ما أضحكت السن إلا وأبكت العيون ، إياك وإيا المومس الخؤون ، إنها لدار الغرور ومنزل للمنون ، كم نلوم على الغبن وما يعقل المغبون ، مهلا أضعتم المواعظ قلب هذا مفتون ، يا لائما في الهوى ماذا هوى هذا جنون .

          أيها الغافل عما بين يديه لا يذكر الموت ولا يلتفت إليه ، شغله عن العواقب ما لديه وألهاه ما له عما عليه :


          يا لقومي للآمل المغرور     ولجاج لا ينقضي في الصدور
          ولنفس مخدوعة بالأماني     ولهم موكل بسرور
          وانقباض الحياة عما يرجيه     الفتى وامتداد حبل الغرور
          يلتحيه الزمان في كل يوم     دائبا كالتحاء غصن نضير
          يتمنى في العيش ما ليس يلقاه     وينسى حزم الزمان الغيور
          ولعين غفت عن الأجل اليقظان     أمسى بها قريب المسير
          [ ص: 568 ] كل يوم يهيض للمرء عظما     وهو يسطو فيه بعظم كسير
          يحمل الموت بين جنبيه إذ يغدو     ويخشاه من وراء الثغور
          كل نفس في مستقر عليها     والج من حمامها المقدور

          يا من يجوب شرق الهوى ثم يقطع غربه ، فكم له من طلعة في طلبه وغربة ، كأنه بسيف الأسف قد سل من جفنه فأسال من جفنه غربه .

          قال بعض أصحاب الحسن : ليت ابن آدم لم يخلق . فقال حبيب العجمي : فقد وقعتم فاحتالوا !

          تالله ما اهتم بالخلاص إلا أهل التقى والإخلاص ، أيامهم بالصلاح زاهرة ، ودولتهم للعدو قاهرة ، وأعينهم في الدجى ساهرة ، يخافون العرض على أرض الساهرة ، والعقول للنفوس ناهية آمرة ، وأخلاق الثياب على أخلاق طاهرة ، والدنيا عليهم والقلوب صابرة ، وفي الجملة باعوا الدنيا فاشتروا بها الآخرة .

          قال أبو يزيد : جمعت أسباب الدنيا فربطتها بحبل القنوع ، ووضعتها في منجنيق الصدق ، ورميت بها في جبل اليأس ، فاسترحت :


          قرب الحرص مركبا لشقي     إنما الحرص مركب الأشقياء
          مرحبا بالكفاف يأتي عفيا     وعلى المتعبات ذيل العفاء
          ضلة لامرئ يشمر في الجمع     لعيش مشمر للفناء
          دائبا يكثر القناطير للوارث     والعمر دائبا لانقضاء
          حبذا كثرة القناطير لو كان     لرب الكنوز كنز بقاء
          يغتدي يرحم الأسير أسيرا     جاهلا أنه من الأسراء
          يحسب الحظ كله في يديه     وهو منه على مدى الجوزاء
          ذلك الخائب الشقي وإن كان     يرى أنه من السعداء

          التالي السابق


          الخدمات العلمية