الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          عيدي مقيم وعيد الناس منصرف والقلب مني عن اللذات منحرف     ولي قرينان ما لي منهما خلف
          طول الحنين وعين دمعها يكف

          يا من يفرح في العيد بتحسين لباسه ، ويوقن بالموت وما استعد لبأسه ، ويغتر بإخوانه وأقرانه وجلاسه ، وكأنه قد أمن سرعة اختلاسه ، كيف تقر بالعيد عين مطرود عن الصلاح كيف يضحك سن مردود عن الفلاح ، كيف يسر من يصر على الأفعال القباح ، كيف لا يبكي من قد فاته جزيل الأرباح ، النوح أحق بك من السرور يا مغرور ، والحزن أجدر بك من جميع الأمور ، والجد أولى بك من التواني والفتور ، كيف يسر بعيده من تاب ثم عاد ، كيف يفرح بالسلامة من آثامه في ازدياد .

          أخبرنا محمد بن أبي منصور بسنده عن أبي ثابت الخطاب قال : سمعت إبراهيم بن موسى يقول : رأيت فتحا الموصلي يوم عيد وقد رأى على الناس الطيالس والعمائم فقال لي : يا إبراهيم أما ترى ثوبا يبلى وجسدا يأكله الدود غدا ؟ هؤلاء قوم قد أنفقوا خزائنهم على بطونهم وظهورهم ويقدمون على ربهم مفاليس ، أخبرنا عمر بن ظفر بسنده عن أبي بكر الشقاق قال : سمعت أحمد بن عيسى يقول نظر بعض العلماء يوم الفطر إلى الناس وشغلهم بما هم فيه من الأكل والشراب واللباس فقال : لئن كانوا هؤلاء قد أنبأهم الله عز وجل أنه قد تقبل منهم صيامهم وقيامهم لقد كان ينبغي لهم أن يكونوا أصبحوا مشاغيل بأداء الشكر ، لئن كانوا يخافون أنه لم يقبل منهم فقد كان ينبغي لهم أن يكونوا أشغل وأشغل .

          أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بسنده عن عبد الله الصوفي سمعت مظفر بن سهل قال : قال أبو بكر المروزي : دخلت على أبي بكر بن مسلم صاحب قنطرة بردان يوم عيد فوجدته وعليه قميص مرقوع مطيق، وقدامه قليل خرنوب يقرضه فقلت : يا أبا بكر اليوم يوم عيد الفطر تأكل الخرنوب ؟ فقال لي : لا تنظر إلى هذا ولكن انظر إن سألني من أين لك هذا ؟ أي شيء أقول ! .

          [ ص: 498 ] أخبرنا أبو بكر الصوفي بسنده عن أبي الربيع النهدي قال : أخبرني إدريس بن يحيى قال : دخلت على أبي عباد الخواص يوم عيد فاستأذنت عليه فخرج إلي وهو يبكي وينوح على نفسه قال : فدخلت معه فقال : إني ذكرت اليوم تنعم الناس وما هم فيه من اللذات فأحببت أن أتنعم بما ترى .

          وكان صالح بن عبد الجليل إذا انصرف يوم العيد جمع عياله وجلس يبكي فيقول له إخوانه : هذا يوم سرور ، فيقول صدقتم ولكني عبد أمرني سيدي أن أعمل له عملا فعملته ، فلا أدري أقبله مني أم لا ؟ فالأولى بي طول الحزن ! .

          أخبرنا محمد بن عبد الباقي عن هناد بن إبراهيم قال : سمعت محمد بن القاسم يقول : كان الشبلي يوم العيد ينوح ويصيح ويصرخ وعليه ثياب سود وزرق فاجتمع الناس إليه فسألوه عن نوحه وبكائه فقال :


          تزين الناس يوم العيد للعيد     وقد لبست ثياب الزرق والسود
          وأصبح الناس مسرورا بعيدهم     ورحت فيك إلى نوح وتعديد
          فالناس في فرح والقلب في ترح     شتان بيني وبين الناس في العيد

          وخرج الشبلي يوم العيد وهو يقول :


          للناس فطر وعيد     إني فريد وحيد
          يا غايتي ومناي     أتم لي ما أريد

          واجتمع الناس إليه فسألوه الدعاء فمد القوم أيديهم فجعل يدعو فكان من دعائه : اضربهم بسياط الخوف ، أقبل بهم بأزمة الشوق ، أعنهم بملاحظات الفهوم ، كن لهم كما كنت لمن لم تكن له بأن صرت كلا له .

          وقيل له يوم عيد : يا أبا بكر اليوم يوم عيد ، فقال :


          الناس بالعيد قد سروا وقد فرحوا     وما فرحت به والواحد الأحد
          لما تيقنت أني لا أعاينكم     غمضت عيني فلم أنظر إلى أحد

          ورئي يوم عيد خارجا وهو يقول :


          إذا ما كنت لي عيدا     فما أصنع بالعيد
          جرى حبك في قلبي     كجري الماء في العود

          والله ما عيد يعقوب إلا لقاء يوسف ، ولا أيام تشريق الصديق إلا الغار ، يا من عزم على المعاصي في شوال أللشهر احترمت أم لرب الشهر ، ويحك ! رب الشهرين واحد ، تقول أصلح رمضان وأفسد غيره وعزمك في رمضان على الزلل في شوال أفسدت رمضان ، [ ص: 499 ] إذا طالبت نفسك في شوال بشرب الخمر فذكرها سيلان العين على الخد في اللحد وعمل البلى في المفاصل لعل الكف يكف .

          هيهات ليس المحب من غيره البعد والهجر ، ولا المخلص من حركه الثواب والأجر ، لكنه من تساوى عنده الوصل والصد ، وإلفه على كل حال الجد والكد .


          يا راكبا تطوي المهامه عيسه     فتريه رضراض الحصى مترضرضا
          بلغ رعاك الله سكان الغضى     مني التحية إن عرضت معرضا
          وقل انقضى زمن الوصال وودنا     باق على مر الليالي ما انقضى

          التالي السابق


          الخدمات العلمية