الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على البسملة


          أستغفر المولى فقد ذهبت شيم الملوك وربنا الملك     لم يحمهم مما ألم بهم
          ما جمعوا قدما وما ملكوا     لم ينفع المثرين ما جمعوا
          منها ولا الطاغين ما سفكوا     فليفرح الصلحاء إذ صلحوا
          وليندم الفتاك إذ فتكوا     ميزت جسومهم حياتهم
          وأتاهم المقدار فالتبكوا     إن الملوك إذا هم احتضروا
          ودوا هنالك أنهم نسكوا     فإذا أسائل عن لداتي
          فالأخبار تجمع أنهم هلكوا     وعلمت أين مضى الخليط فما
          أنا بالمنادي أية سلكوا     وعجبت من نفسي إذا ضحكت
          ومن الأنام إذا هم ضحكوا     رحل الأعزة عن ديارهم
          أهون بما أخذوا وما تركوا     والمال بين الناس مقتسم
          والحق للأرواح مشترك     وتغرنا الدنيا المسيئة والآمال
          والآجال تعترك     ونفوسنا كحمائم وقعت
          للصائدين ودونها الشبك     متبصرات في حبائلها
          ووهى جناح ضمه الشرك     لله سبحت الجواهر
          والأعراض والأنوار والفلك     وتقدس الظلمات خالقها
          والشهب أفراد ومشتبك     خشعت لباريها البسيطة والأجبال
          والقيعان والنبك     وتحدثت عنه الطوالع والأبراج
          والسكان والحرك     والحوت مجد في النجوم كما
          في الزاخرات يمجد السمك     والبيض والصفر الفواقع والمحمر
          والمسود والحلك     والطير والوحش الرواتع
          والجني والإنس والملك

          أين آباؤك مروا وسلكوا ، أين أقرانك أما رحلوا وانصرفوا ؟ أين أرباب القصور أما أقاموا في القبور وعكفوا ، أين الأحباب هجرهم المحبون وصدفوا ، فانتبه لنفسك فالمتيقظون قد عرفوا ، فستحملك الأهل إلى القبور وربما مروا فانحرفوا .


          نادت بوشك رحيلك الأيام     أفأنت تسمع أم بك استصمام
          [ ص: 39 ] تأتي الخطوب وأنت منتبه لها     فإذا مضت فكأنها أحلام]

          يا غافلا ما يفيق ، يا حاملا ما لا يطيق ، ألست الذي بارزت بالذنوب مولاك ، ألست الذي عصيته وهو يرعاك ، أسفا لك ما الذي دهاك حتى بعت هداك بهواك ، يا ليت عينك أبصرت ذل الخطايا قد علاك .


          أتضحك أيها العاصي     ومثلك بالبكا أحرى
          وبالحزن الطويل على     الذي قدمته أولى
          نسيت قبيح ما أسلفت     والرحمن لا ينسى
          فبادر أيها المسكين     قبل حلول ما تخشى
          بإقلاع وإخلاص     لعل الله أن يرضى

          كان محمد بن السماك يقول : يا بن آدم أنت في حبس منذ كنت ، أنت محبوس في الصلب ، ثم في البطن ، ثم في القماط ، ثم في المكتب ، ثم تصير محبوسا في الكد على العيال ، فاطلب لنفسك الراحة بعد الموت ، لا تكون في حبس أيضا .

          وكان أبو حازم يقول : اضمنوا لي اثنين أضمن لكم الجنة : عملا بما تكرهون إذا أحبه الله ، وتركا لما تحبون إذا كرهه الله .

          وقال : انظر كل عمل كرهت الموت لأجله فاتركه ولا يضرك متى مت ، يا رضيع الهوى وقد آن فطامه ، يا طالب الدنيا وقد حان حمامه ، أللدنيا خلقت أم بجمعها أمرت ؟ !


          أخي إنما الدنيا محلة نغصة     ودار غرور آذنت بفراق
          تزود أخي من قبل أن تسكن الثرى     وتلتف ساق للممات بساق

          يا من لا يتعظ بأبيه ولا بابنه ، يا مؤثرا للفاني على جودة ذهنه ، يا متعوضا عن فرح ساعة بطول حزنه ، يا مسخطا للخالق لأجل المخلوق ضلالا لإفنه ، أما لك عبرة فيمن ضعضع مشيد ركنه ، أما رأيت راحلا عن الدنيا يوم ظعنه ، أما تصرفت في ماله أكف غيره من غير إذنه ، أما انصرف الأحباب عن قبره حين دفنه ، أما خلا بمسكنه في ضيق سجنه ، تنبه والله من وسنه لقرع سنه ، ولقي في وطنه ما لم يخطر على ظنه ، يا ذلة مقتول هواه ، يا خسران عبد بطنه .


          يا ليت شعري ما ادخرت     ليوم بؤسك وافتقارك
          فلتنزلوا بمنزل     تحتاج فيه إلى ادخارك
          أفنيت عمرك باغترارك     ومناك فيه بانتظارك
          [ ص: 40 ] ونسيت ما لا بد منه     وكان أولى بادكارك
          ولو اعتبرت بمن مضى     لكفاك علما باعتبارك
          لك ساعة تأتيك من     ساعات ليلك أو نهارك
          فتصير محتضرا بها     فتهي من قبل احتضارك
          من قبل أن تقلى وتقصى     ثم تخرج من ديارك
          من قبل أن تتشاغل الزوار     عنك وعن مزارك

          أخبرنا عمر بن ظفر ، أخبرنا جعفر بن أحمد ، حدثنا عبد العزيز بن علي ، أنبأنا ابن جهضم ، حدثنا الخلدي ، حدثنا ابن مسروق ، حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثني ابن عبد الوهاب ، قال : قال رجل لداود الطائي : أوصني ، فدمعت عيناه ، وقال : يا أخي إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة بعد مرحلة ، حتى ينتهي ذلك إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تقدم كل يوم زادا لما بين يديك فافعل ، فإن انقطاع السفر عن قريب والأمر أعجل من ذلك ، فتزود لنفسك واقض ما أنت قاض ، فكأنك بالأمر قد بغتك ، إني لأقول لك هذا وما أعلم أحدا أشد تقصيرا مني ! ! ثم قام وتركه .


          يا لاهيا بالمنايا قد غره الأمل     وأنت عما قليل سوف ترتحل
          تبغي اللحوق بلا زاد تقدمه     إن المخفين لما شمروا وصلوا
          لا تركنن إلى الدنيا وزخرفها     فأنت من عاجل الدنيا ستنتقل
          أصبحت ترجو غدا يأتي وبعد غد     ورب ذي أمل قد خانه الأمل
          هذا شبابك قد ولت بشاشته     ما بعد شيبك لا لهو ولا جدل
          ماذا التعلل بالدنيا وقد نشرت     لأهلها صحة في طيها علل

          التالي السابق


          الخدمات العلمية