الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الكلام على قوله تعالى :

          والله يدعو إلى دار السلام

          دار السلام هي الجنة
          وفي تسميتها بذلك أربعة أقوال : أحدها : أن السلام هو الله ، وهي داره قاله ابن عباس والحسن وقتادة ، والثاني : أنها دار السلامة التي لا تنقطع . قاله الزجاج . والثالث : أن تحية أهلها فيها السلام . ذكره أبو سليمان الدمشقي . والرابع : أن جميع حالاتها مقرونة بالسلام ، ففي ابتداء دخولهم : ادخلوها بسلام وحين [ ص: 353 ] استقرارهم : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام وكذلك قوله : إلا قيلا سلاما سلاما . وعندئذ رؤية ربهم عز وجل : تحيتهم يوم يلقونه سلام .

          عزت الدار وجل المرام ، ونال ساكنها فوق المرام ، فيا مشغولا عنها بأضغاث أحلام ، وصل كتاب الملك العلام والله يدعو إلى دار السلام .

          دار الإعزاز والإكرام ، بنيت لقوم كرام ، لا غرم فيها ولا غرام ، ما يسكنها من يضام ، ثمنها يا مشتري بين : صلاة وصيام ، نعيمها في دوام لذاتها في تمام ، والحور في القصور والخيام ، شهواتها لم تخطر على الأوهام ، انتبهوا لطلبها يا نيام ، قد جمعت كل مشتهى وزادت على كل الغرض المنتهى ، عجبا لمن غفل عنها وسها ، انهض لها يا غلام والله يدعو إلى دار السلام .


          أما آن يا صاح أن تستفيقا وأن تأتين الحمى والعقيقا     وقد ضحك الشيب فاحزن له
          وصار مساؤك فيه شروقا     وركب أتاهم وقد عرسوا
          على القاع راعي المنايا طروقا     يدير عليهم كؤوس المنون
          صبوحا على كرهها أو غبوقا     وما زال فيهم غراب الحمام
          يسمعهم للمنايا نعيقا     ويحجل في عرصات القصور
          حتى أعاد الفسيحاء ضيقا     ألا فازجر النفس عن غيها
          تجوز إلى الصراط الدقيقا     ودون الصراط لنا موقف
          به يتناسى الصديق الصديقا     فتبصر ما شيت كفا يعض
          وعينا تسح وقلبا خفوقا     إذا طبقت فوقهم لم تكن
          لتسمع إلا البكا والشهيقا     شرابهم المهل في قعرها
          يقطع أوصالهم والعروقا     أذلك خير أم القاصرات
          تخال مباسمهن البروقا     قصرن على حب أزواجهن
          مشتاقة تتلقى مشوقا     ويرفلن في سرقات الحرير
          فتبصر عيناك أمرا أنيقا     وأكوابهم ذهب أحمر
          يطاف بها مترعات رحيقا     إذا جرت الريح فوق الكثيب
          أثارت على القوم مسكا سحيقا [ ص: 354 ]     ويوم زيارتهم يركبون
          إليه من النور نجبا ونوقا     كلوا واشربوا فلقد طالما
          أقمتم بدار الغرور الحقوقا



          أخبرنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أخبرنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا أبو النضر ، حدثنا زهير ، عن سعد ، عن أبي المدلة أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال : " لبنة فضة ولبنة ذهب ، وملاطها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم ولا يبأس ويخلد لا يموت ، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه " .

          وفي حديث آخر أنه ذكر الجنة فقال : " ألا متشمر لها ؟ هي ورب الكعبة ريحانة تهتز ونور يتلألأ ، ونهر مطرد ، وزوجة لا تموت في حبور ونعيم مقام أبدا " .

          قوله تعالى : ويهدي من يشاء عم بالدعوة وخص بالهداية إذ الحكم له في خلقه .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية