الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          [ ص: 144 ] الكلام على البسملة


          أتنكر أمر الموت أم أنت عارف بمنزلة تفنى وفيها المتالف     كأنك قد غيبت في اللحد والثرى
          كما لقي الموت القرون السوالف     أرى الموت قد أفنى القرون التي مضت
          فلم يبق مألوف ولم يبق آلف     كأن الفتى لم يصحب الناس ليلة
          إذا عصبت يوما عليه اللفائف     وقامت عليه عصبة يدفنونه
          فمستذكر يبكي حزينا وهاتف     وغيب في لحد كريه فناؤه
          ونضد من لبن عليه السقائف     وما صاحب البحر القطيع مكانه
          إذا هاج آذى من بعليه وقاصف     أحق بطول الحزن من ضيف غربة
          تصدع عنه أهله والمعارف

          أين من ربح في متاجر الدنيا واكتسب ، أين من أعطي وأولي ثم والى ووهب ، أما رحل عن قصره الذهب فذهب ، أما حل به في الحرب المصطلم الحرب ، أما نازله التلف وأسره العطب ، أما نابته نائبة ، لا تشبه النوب ، أنفعه بكاء من بكى أو ندب من ندب ، أما ندم على كل ما جنى وارتكب ، أما توقنون أن طالبه لكم في الطلب ، تدبروا قول ناصحكم صدق أو كذب .

          قال ميمون بن مهران : خرجت مع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى المقبرة ، فلما نظر إلى القبور بكى ثم أقبل علي فقال : يا أبا أيوب : هذه قبور آبائي كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذتهم وعيشهم ، أما تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات واستحكم فيهم البلاء ، وأصاب الهوام في أبدانهم مقيلا ! ثم بكى حتى غشي عليه ثم أفاق فقال : انطلق بنا فوالله ما أعلم أحدا أنعم ممن صار إلى هذه القبور وقد أمن من عذاب الله عز وجل .


          صور طواها الموت طيا     كانت محببة إليا
          تبلى ويأكلها الترا     ب وذكرها غض إليا
          صرعى بأنواع الحتو     ف كأنهم شربوا الحميا
          لهفي على تلك الوجو     ه وهل يرد اللهف شيا
          أبكي عليهم ثم أر     جع بعدهم أبكي عليا
          أنا ميت بعد الحيا     ة وميت للحزن حيا
          بيتي الثرى ولو انني     نلت السماء أو الثريا
          ولو اعتبرت لعاد لي     غيلان وهو يذم ميا
          [ ص: 145 ] من للسماء بأن تدو     م وأنها تدعى سميا
          هيهات لا ترجو البقا     ء وابك نفسك يا أخيا

          كأنك بالموت وقد فصم العرى التي بها قد تمكنت ، ونقلك إلى قبر ترى فيه ما أسأت وما أحسنت ، ثم تقوم للجزاء على ما أسررت وما أعلنت ، فتزين بالتقوى فطوبى لك إن تزينت ، واعمل اليوم ما ينفعك غدا وإلا فمن أنت .


          كم طوى الموت من نعيم وعز     وديار من أهلها أخلاها
          وجنود أحالها وجدود     ووجوه أحال منها حلاها
          أين من كان ناعما في قصور     بعلا المكرمات شيدت علاها
          قد جفاها من كان يرتاح حينا     نحوها بعد إلفه وقلاها

          يا من في حلل جهله يرفل ويميس ، يا مؤثرا الرذائل على أنفس نفيس ، يا طويل الأمل ماذا صنع الجليس ، يا كثير الخطايا أشمت إبليس ، من لك إذا فاجأك مذل الرئيس ، واحتوشتك أعوان ملك الموت وحمي الوطيس ، ونقلت إلى لحد ما لك فيه إلا العمل أنيس ، أين أمسك يا من أمسك عرى أمله ، أما ذهب عن كل عبد ببعض أجله ، أين لذات شهواتك فيما مضى من عمرك ، أما تصرمت والوزر على ظهرك ، أما الدنيا تخدع مريدها ، أما العبر تجاذب مستفيدها ، أما زيادات الأيام تنقص الأجل ، أما كمال الأمن قرين الوجل .


          ومن لكسرى لو فدى نفسه     بكل ما أحرزه من بدر
          أنصبت العمار ساحاتهم     ثم تخلى عامر من عمر
          فاسم بذكر الله لا غيره     فإن ذكر الله خير السمر
          وشمر الذيل إلى عفوه     فكل مسعود إليه انشمر

          كان الحسن يقول : الثواء ههنا قليل ، وأنتم آخر أمتكم ، وأمتكم آخر الأمم ، وقد أسرع بخياركم ، فماذا تنتظرون إلا المعاينة ، فكأنها والله قد كانت ، ما بعد نبيكم نبي ولا بعد كتابكم كتاب ، ولا بعد أمتكم أمة ، تسوقون الناس والساعة تسوقكم ، وما ينتظر أولكم إلا أن يلحق آخركم ، فيا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة .


          رضي الفتى بعنائه وشقائه     لو أن ظل بقائه ممدود
          ويح له ما إن يعد لنفسه     ويبيده نفس له ممدود
          يغذى بأسقية له وألذة     لو كان ينفع في الحياة لدود
          ملك يشيد ما بنى ويشيد أر     كان البناء وركنه مهدود
          [ ص: 146 ] ويرى طريق الحق كل أخي حجا     وكأنه عن فعله مصدود
          جسد يكد لأن يفوز بقوته     فإن استراح فقلبه المكدود

          التالي السابق


          الخدمات العلمية